ما الذي تبقى من هيبة مجلس النواب؟!

مكرم أحمد الطراونة لم يكن النائب عمر العياصرة الشخصية البرلمانية الأولى التي انتقدت شكل وكينونة وأداء المجلس النيابي، فقد سبقه بنحو عامين أيضا رئيس المجلس الحالي عبدالكريم الدغمي الذي وصف النواب بأنهم “ديكور”. العياصرة اعتبر خلال مداخلة له في ملتقى “همم” أول من أمس أن مجالس النواب في الآونة الأخيرة امتداد للسلطة التنفيذية! هذه التصريحات عندما ينطق بها “أهل مكة” الذين هم أدرى بشعابها، فإن الأمر يستحق أن نمنحه بعض الوقت من التفكير والتحليل، لأن الإحباط الذي قد يحط ركابه في قلوب الأردنيين وعقولهم لا يمكن حصره، والحديث عن المجلس النيابي، وهو بيت التشريع الأردني، بهذا الإطار والشفافية من نائب حالي أمر لا يمكن تجاوزه إذا ما أردنا الدخول في المئوية الثانية لدولة تسعى للإصلاح والتحديث. العياصرة استند إلى مؤشرات من صميم عمله عندما صرح عن المجالس النيابية، وقد أوضح في اتصال جرى بيني وبينه تعقيبا على تصريحه، أن هناك تحالفا ضمنيا بين السلطة التنفيذية والنواب، ساهم في غياب الدور الرقابي للمجلس، مشيرا إلى أن هذه السلطة تتغول على نظيرتها التشريعية. النائب ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أشار إلى أن هناك مراكز قوى وبعض المتنفذين باتوا يؤثرون أيضا على المجلس النيابي، أي أن الأمر لم يعد مقتصرا فقط على السلطة التنفيذية. في الواقع لا نستطيع أن نجد من يخالف النائب العياصرة الرأي من الأردنيين، خصوصا أن العلاقة التي باتت تحكم السلطة التنفيذية والتشريعية “تطورت” إلى علاقة “تبادل منافع”، فالحكومة لا تريد خطابا نيابيا مؤرقا في حين نجحت هي الأخرى في تقديم خطاب غير استفزازي، ووفق هذه المعادلة حققت نقاط الفوز بالمعادلة عبر اتباع سياسة “الاحتواء الشامل”، رغم أن معظم القوانين التي تقدمت بها الحكومة باستثناء قانوني الأحزاب والانتخاب، والتعديلات الدستورية، تضمنت تعديلات تشريعية بسيطة، لا تحتاج إلى مواجهة بين الطرفين. في المقابل، استمرت علاقة تقديم الخدمات من الحكومة لقواعد النواب الشعبية، فالنواب غادروا موقعهم التشريعي نحو الخدمي، وبات موقف النائب غاية في الضعف، فهو لم يعد قادرا على مراقبة أداء أي وزير، أو محاسبته، طالما قواعده الانتخابية تضغط عليه من أجل تحقيق خدمات خاصة بها. الدولة، ومن خلفها المواطنون، دفعوا ثمنا كبيرا للعلاقة المشوهة بين الحكومات والمجالس النيابية، وهو نتيجة حتمية لسوء “اختيار” أعضاء البرلمان، وعدم وجود قوى سياسية وحزبية فاعلة ومقنعة، وغياب البرامج الانتخابية، ما أوجد فكرة البدء بمشروع إصلاحي جديد، بعد أن فشلت الإدارة العامة بكافة أشكالها فشلا خطيرا ذريعا. قد نحمل النائب العياصرة، ومن خلفه 129 نائبا آخرين مسؤولية قبولهم بأن يكونوا امتدادا للسلطة التنفيذية، التي باتت تستقوي على الجميع دون حسيب أو رقيب، لكن الحكومات تتحمل المسؤولية الأكبر، فمن أجل أن تمر مدتها في الدوار الرابع بسلام، لم تتوان عن “تقزيم” دور المجلس والتعدي على هيبته، ولو تمتع بها لكان وضع البلد والمواطن بألف خير. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان