ما الذي تعنيه إدارة بايدن لآفاق التعددية الدولية

ترجمة: علاء الدين أبو زينة بايميلي تامكِن* - (نيو ستيتسمان) 25/11/2020 برفضها عصبة الأمم، نأت الولايات المتحدة بنفسها عن العالم -لكن الرئيس المنتخب يمكنه تغيير ذلك... والآن سيتعين على إدارة بايدن أيضًا أن تأخذ في الحسبان الإحساس المزمن للبلاد بالتسامي على المستوى العالمي. لطالما كانت المؤسسات متعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة لا تحظى بشعبية بين الكثير من الجمهور الأميركي بسبب تعديها على السيادة الوطنية. * * * عقدت عصبة الأمم أول اجتماع لها منذ نحو 100 عام، في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1920. وكان الهدف من تلك الهيئة التي أنشأها الرئيس الأميركي آنذاك، وودرو ويلسون، هو منع نشوب الحروب من خلال ضمان الأمن الجماعي ونزع السلاح. وكان مشروع ويلسون لجعل العالم "آمنًا للديمقراطية" بمثابة دفقة من المثالية تصعد من ظلام الحرب الشاملة، ورؤية نبيلة لنظام جديد مبني على أنقاض الممالك والإمبراطوريات القديمة في أوروبا. بين خريف العام 1918 وربيع العام 1919، كانت شعوب العالم، من آسيا إلى أميركا اللاتينية، مفتونة بـ"لحظة ويلسون" هذه. وكان من شأن دفاع الرئيس عن السلام الدولي وتقرير المصير القومي أن يكسبه، كما كتب جون ماينارد كينز لاحقًا، "مكانة وتأثيرًا أخلاقيًا في جميع أنحاء العالم لا مثيل له في التاريخ". ومع ذلك، كان هناك البعض في مجلس الشيوخ الأميركي ممن عارضوا العصبة. كانوا يخشون أن لا يقتصر الأمر معها على توريط الولايات المتحدة في الشؤون الأوروبية إلى الأبد، وإنما أن يشكل وجود العصبة نفسه تحديًا لسيادة الولايات المتحدة وسيطرتها الجديدة التي كسبتها بعد الحرب العالمية الأولى أيضاً. على الرغم من وضعه الصحي السيئ، قام ويلسون بجولة واسعة في أرجاء البلاد من أجل حشد الدعم للعصبة، وتحدث في جميع المناطق المركزية الأميركية وعلى الساحل الغربي. وأعلن في ولاية داكوتا الجنوبية: "أحيانًا يصفني الناس بالمثالي. حسنًا، هذه هي الطريقة التي أعرف بها أنني أميركي". وعندما عاد إلى البيت الأبيض، عانى ويلسون من سكتة دماغية مُقعِدة، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1919، ومرة أخرى في آذار (مارس) 1920، صوت مجلس الشيوخ ضد انضمام الولايات المتحدة إلى العصبة. وفي الحقيقة، حققت العصبة بعض النجاحات: كما أوضحت المؤرخة سوزان بيدرسن، مؤلفة كتاب "الحراس: عصبة الأمم وأزمة أوروبا" الذي صدر في العام 2015، (2015)، فإنها اتخذت خطوات غير مسبوقة لحماية حقوق الأقليات في إفريقيا والشرق الأوسط ومنطقة جنوب المحيط الهادئ من خلال لجنة الانتداب الدائمة. لكن العصبة ظلت مع ذلك لزمن طويل مثالاً للفشل. بعد الحرب العالمية الثانية، اتفق مؤسسو الأمم المتحدة على أنه لا يمكن تسمية المنظمة الجديدة بـ"عصبة الأمم". فمن دون دعم الولايات المتحدة، تبخرت قيمة العصبة كرادع، وهو ما اختزلها إلى مجرد قوة عاجزة غير قادرة على الدفاع حتى عن معاهدة فرساي وحمايتها من المراجعة. وكما قال المؤرخ مارك مازور في كتابه الذي أصبح من الكلاسيكيات، "القارة المظلمة"، الصادر في العام 1998، فإنه "مع تحول ميزان القوى في أوروبا، أصبحت العصبة تعاني مزيداً من التهميش باطراد، وتدفقت الدبلوماسية حول جنيف بدلاً من المرور من خلالها، وظهرت رؤية أيديولوجية منافسة للنظام الأوروبي في برلين". لن نعرف أبدًا ما الذي كان يمكن أن يحدث لعصبة الأمم، ومسار التاريخ الحديث، لو أن الولايات المتحدة تبنت نموذج ويلسون المتمثل في "مجتمع القوة". لكن ما نعرفه حقاً هو أن 1919-1920 شكلت لحظة حاسمة في تاريخ صنع السياسة الخارجية الأميركية، عندما رفضت الدولة فضائل بناء التحالفات، والجهود المشتركة، والتنظيم العالمي، لصالح ضمان التفوق العالمي. في وقت أقرب زمانياً، وعلى نحو أكثر فظاعة، تخلت الولايات المتحدة مرتين عن فرصة العمل بالتنسيق مع الآخرين: عندما خرقت ميثاق الأمم المتحدة التأسيسي لكي تقوم بغزو العراق في العام 2003، وعندما انسحبت رسميًا من اتفاقية باريس للمناخ في العام 2020. ماذا تعني إدارة بايدن بالنسبة لآفاق التعددية العالمية اليوم؟ بعد أن أعلن جو بايدن عن نيته ترشيحها لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، قالت الدبلوماسية ليندا توماس غرينفيلد: "أميركا عادت. تعددية الأطراف عادت. الدبلوماسية عادت". وهذه كلمات مشجعة، خاصة بعد أربعة أعوام من عمل الإدارة التي انسحبت من المعاهدات، ونكثت بالوعود، وأبعدت الحلفاء، وفضلت عقيدة "أميركا أولاً". كان بايدن قد وعد بأنه سيعمد، بمجرد توليه منصبه، إلى إلغاء الكثير من قرارات السياسة الخارجية المثيرة للجدل التي اتخذها سلفه دونالد ترامب. وهو يخطط لإعادة انضمام الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس ومنظمة الصحة العالمية، كما تعهد الرئيس المنتخب بتنسيق استجابة عالمية لوباء فيروس كورونا بقيادة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وقال بايدن إن إدارته سوف تقوم أيضًا بإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني للعام 2016. لكن بيت بايدن الأبيض يواجه معارضة كبيرة عندما يتعلق الأمر بطموحاته بخصوص تعددية الأطراف. في المقام الأول، سوف يواجه حزبًا معارضًا معاديًا لمفهوم التعددية في حد ذاته. وقد شجب وزير الخارجية المنتهية ولايته، مايك بومبيو، خطاب غرينفيلد ووصفه بأنه "تعددية من أجل التسكع مع رفاقك في حفل كوكتيل رائع". وسوف يتعين على إدارة بايدن أيضًا أن تأخذ في الحسبان الإحساس المزمن للبلاد بالتسامي على المستوى العالمي. لطالما كانت المؤسسات متعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة لا تحظى بشعبية بين الكثير من الجمهور الأميركي بسبب تعديها على السيادة الوطنية. وفي كتابه الجديد "الغد، العالم"، كتب الباحث ستيفن ويرثيم أنه بالنسبة لنخب السياسة الخارجية الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، "أصبح التفوق هو الأساس الوحيد الذي يمكن للولايات المتحدة من خلاله المشاركة في العالم... وبعبارة أخرى، كانت الطريقة الوحيدة لممارسة الأممية، لتقييد سياسات القوة وتجاوزها، هي الهيمنة على سياسة القوة". الآن، ضرب الوباء الولايات المتحدة وأحدث فيها ضرراً بليغاً، وهي وتواجه عواقب كارثية لأزمة المناخ. وهي بحاجة ماسة إلى العمل مع بقية العالم لإنقاذ ما تبقى من سلطتها الأخلاقية حتى تقود مرة أخرى. في ربيع العام 1920، رفضت الولايات المتحدة أخيرًا فرصة تجاوز سياسات القوة والانضمام إلى تحالف عالمي من أجل السلام والتعاون. والآن، بعد مائة عام، تتوفر أمام البلاد فرصة أخرى لتصحيح فهمها للتعددية. لكن عصبة الأمم في النهاية استنفدت فرصها. ولا يوجد سبب لعدم قيام الولايات المتحدة الحديثة، عند نقطة ما، بفعل الشيء نفسه أيضاً. *Emily Tamkin: المحررة الأميركية لمجلة "نيو ستيتسمان". *نشر هذا المقال تحت عنوان: What a Biden administration means for the prospects of multilateralismاضافة اعلان