ما الذي جرى في عملية "الجرف الصامد"

يوفال ديسكن*

يديعوت أحرنوت

7-1-2015

طالما لم تُقدم أجوبة للجمهور عن بضعة اسئلة صعبة ومبدئية حول حملة "الجرف الصامد"، فإن لسكان غلاف غزة سببا وجيها لعدم الثقة بتفكير الجيش والحكومة.اضافة اعلان
في الصيف الأخير، قبل نحو خمسة اشهر بالإجمال، وقعت هنا حقا حرب "الجرف الصامد". حرب لم نخطط لها، حرب جُررنا اليها وأهدافها تقررت اغلب الظن على عجل، في اللحظة الاخيرة تماما. حرب سقط فيها 72 شهيدا، في اغلبيتهم الساحقة جنود، من أفضل أبنائنا، ممن قاتلوا ببسالة، بتفانٍ شديد وبتصميم مثير جدا للانطباع، ولكن أغلب الظن ليس مع أفضل الوسائل، من اجل تدمير منظومة عشرات الأنفاق الهجومية التي حفرت من قطاع غزة إلى اراضي دولة إسرائيل.
واضح أنه لم تكن مفاجأة استخبارية في مسألة انفاق الهجوم. فأنا يمكنني أن أقرر بيقين لدوري الشخصي العميق: حتى أيار 2011، موعد اعتزالي المخابرات، كانت في المخابرات، في قيادة المنطقة الجنوبية وفي شعبة الاستخبارات، معلومات كثيرة ونوعية (حتى وإن لم تكن كاملة) جُمعت على مدى سنوات طويلة عن انفاق الهجوم، والموضوع حظي بسبب خطورته الشديدة بمعالجة خاصة وأولوية عليا.
بحث قصير في "غوغل" سيغرقنا بروابط عديدة لتقارير رُفعت في اثناء السنوات الثمانية الاخيرة إلى لجنة الخارجية والامن، في الاستعراضات للصحفيين وبالطبع في جلسات الحكومة، عن الانفاق التي حُفرت من قطاع غزة إلى اراضي دولة إسرائيل لغرض تنفيذ العمليات. ومجموعات عمل استخبارية وعملياتية عنيت في المخابرات، في قيادة المنطقة الجنوبية وفي شعبة الاستخبارات بجمع المعلومات، بتحليلها وبتقديرها، عقب الفهم العميق الذي ساد في المنظومة عن التهديد الخطير المحدق من الانفاق الهجومية.
ولمن لا يتذكر، فان أحد الاسباب الاساسية للتدهور بعد فترة "التهدئة" في 2008 والتي أدت إلى حملة "الرصاص المصبوب" كان اصرار المخابرات وقيادة المنطقة الجنوبية على معالجة نفق هجومي كهذا حُفر باتجاه كيبوتس ناحل عوز، قبل نحو شهر ونصف من الخروج (المبادر اليه) إلى حملة "الرصاص المصبوب". وبالمناسبة – في تلك الحملة، قامت قوة من الجيش الإسرائيلي بتفجير المنزل المفخخ الذي حُفر منه النفق، ولحظنا لم تقع اصابات.
وبعد "الرصاص المصبوب" أيضا (كانون الثاني 2009) استمر جمع المعلومات عن الانفاق، بل وبقوة أكبر. كان واضحا أن حماس تركز جهودا استثنائية في هذا المجال وبهذا فقط تلقى الموضوع أولوية عالية جدا سواء في المخابرات أم في قيادة المنطقة الجنوبية وفي شعبة الاستخبارات.

الاسئلة المبدئية التي لم تتلقَ أجوبة بعد:
1- في نهاية العام 2012، قبل نحو سنة ونصف من حملة "الجرف الصامد"، انطلقت دولة إسرائيل إلى حملة "عمود السحاب" ولهذا الغرض تم تجنيد كبير للاحتياط. لا شك أن الصورة الاستخبارية لتهديد الانفاق الهجومية، بخطورتها، كانت واضحة تماما للجميع. فهل يحتمل أن يكون مفهوم "الصواريخ ستصدأ" الذي يعزى لموشيه يعلون كرئيس للأركان في مواجهة حزب الله، ضرب جذوره مرة اخرى في عهد نتنياهو باراك ويعلون، في سياق الانفاق الهجومية من القطاع أيضا؟ لماذا بالتالي لم يجر الحديث عن تهديد الانفاق وعن الحاجة إلى معالجته في اثناء الاستعدادات لـ "عمود السحاب"؟ لماذا لم ينفذ دخول بري إلى القطاع منذئذ لغرض معالجة الانفاق، رغم أنه جند الاحتياط وبحجم واسع جدا؟.
2- لا شك أن هذه المعلومات الاستخبارية عرضت على نتنياهو وعلى وزير الأمن باراك في فترة حكومة نتنياهو في 2009، ويعلون في فترة الحكومة الاخيرة. بل إن نتنياهو ادعى بأنه عين مستشار الامن القومي في حينه، اللواء احتياط يعقوب عميدرور، لتنسيق معالجة موضوع الانفاق. وأكد عميدرور نفسه ذلك بل وقال بصدق إنه لم يجر عمل الكثير في هذا الشأن. فهل يدور الحديث عن اخفاق القيادة السياسية التي لم تعط لذلك أولوية؟ أم ربما أن القيادة الامنية (الجيش والمخابرات) لم تطرح المعاني الاستخبارية التي في حوزتها في هذا الموضوع كما ينبغي على رئيس الوزراء، ووزير الأمن والمجلس الوزاري؟.
3- قبل شهر ونصف من "الجرف الصامد" اتخذ قرار غريب للغاية لتقليص ملاكات مسؤولي الامن الجاري في بلدات الغلاف. فكيف بالتالي اتخذ مثل هذا القرار، اذا كان تهديد الانفاق الهجومية واضحا للجميع؟ من تجربتي، فان هذا القرار الهامشي ظاهر بالذات، يمكنه أن يشهد باحتمالية عالية على اخفاق خطير في تقويم الوضع وبالاحساس العام الذي ساد في جهاز الامن في ذاك الوقت في موضوع الانفاق.
4- هل يحتمل أن يكون قادة منظومة الاستخبارات والامن (ولا سيما رئيس الاركان، رئيس شعبة الاستخبارات ورئيس المخابرات) لم يطرقوا عشية "عمود السحاب" ولا عشية "الجرف الصامد" أبواب وطاولات وزير الأمن ورئيس الوزراء في هذا الشأن؟.
5- كيف كان نتنياهو ويعلون مستعدين لوقف النار قبل أن تبدأ الحملة البرية، رغم المعلومات الكثيرة عن الانفاق الهجومية التي حفرت إلى اراضينا، بل وكان تحذير واضح (وعلى ذلك بفهمي لا جدال بين المخابرات وشعبة الاستخبارات) بالعملية الاستراتيجية من خلال النفق في منطقة كرم سالم؟.
من طبيعة الحروب والحملات أن تكشف نقاط الخلل، ولكن أخطر من ذلك هو عدم استنفاد التحقيقات وتطبيق الدروس اللازمة. أنا على قناعة بأن الجيش والمخابرات أجريا تحقيقات عديدة، ولكن القيادة السياسية أيضا ملزمة بتفديم الحساب للجمهور على سلوكها وقيادتها وقراراتها في اثناء الجرف الصامد، والتي يوجد حولها علامات استفهام عديدة.
مثلما لكثيرين آخرين، عندي أكثر بكثير من الاحساس بأن القيادة السياسية تحاول تكنيس الاجوبة عن الاسئلة المتعلقة بالجرف الصامد تحت البساط. بعض هذه الاسئلة يشير إلى امكانية مواضع خلل خطيرة وتفكير اشكالي في اتخاذ القرارات.
في غياب اجوبة على هذه الاسئلة المهمة، فان لسكان غلاف غزة اسبابا شرعية جدا لعدم تصديق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومواصلة كفاحهم العادل ضد قرار اخراج الجنود من البلدات التي تقع فوق كيلومتر عن الجدار وعلى ألا يُشطب موضوعهم عن جدول الاعمال اليوم.
اليوم بالذات، في فترة الانتخابات، علينا أن نطالب منتخبينا ولا سيما اولئك الذين يتباكون بأنهم "أمنيون" وذوو "قبضة حديدية" بالحساب في هذا الشأن.
ماذا لدى نتنياهو "الأمني" ليقوله في ذلك؟ هل نفتالي بينيت واوري اريئيل كانا سيقبلان بصمت كهذا يؤدي لتقليص الحماية على المستوطنين في القدس أو في يهودا والسامرة؟ وما هو موقف افيغدور ليبرمان أم أنه يعنى جدا بالنار التي تضرمها قضية التحقيقات في إسرائيل بيتنا؟ كما أني اسأل اولئك الذين خارج الحكومة – بوجي وتسيبي ويائير وشاؤول وزهافا وكحلون أيضا – أين أنتم في هذا الشأن؟.

*رئيس المخابرات السابق