ما العمل؟ (1)

تضعنا الأرقام الختامية العامة للسنة المالية 2015 أمام حقيقة مرعبة، هي أننا -وللأسف- لا نسير بالاتجاه الصحيح في موضوع الإصلاح المالي. والشاهد الأهم على ذلك تفاقم عجز الموازنة بما يفوق المقدّر سابقا.اضافة اعلان
الانحراف عن الهدف لم يكن بسيطا، بل جاء كبيرا جدا، وبما يدلل على أخطاء ارتكبت هنا أو هناك قادت إلى مثل هذه النتيجة. إذ زاد العجز في الموازنة العامة إلى 928.6 مليون دينار في العام 2015، مقارنة مع 583.5 مليون دينار العام 2014، في زيادة عن العجز المقدر للعام الماضي بحوالي 460 مليون دينار.
أيضا، تُظهر نشرة المالية العامة أن العجز في العام 2015 ارتفع نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي؛ فوصل إلى 3.4 %، مقابل نسبة 2.3 % من الناتج المتحقق في 2014.
السبب الرئيس الذي يقف خلف النتيجة السابقة يتمثل في نقص الإيرادات والمنح الخارجية؛ إذ بُنيت الموازنة على أساس تحقيق إيرادات ومنح خارجية بمقدار 7.4 مليار دينار، فيما بلغ المتحقق فعلياً نحو 6.8 مليار دينار؛ أي بنقص في الإيرادات المستهدفة مقداره 600 مليون دينار، تُمثل رقماً كبيراً يحتاج إلى تفسير، أقله لتجنب تكرار هكذا خطأ مستقبلا.
فرق الإيرادات يحتمل أكثر من تفسير. الأول، مرتبط بشكل وثيق بالمبالغة في تقدير الإيرادات المحلية ابتداء، في ظل وضع اقتصادي صعب، من أبرز سماته تباطؤ الاقتصاد بشكل يتكرس يوما بعد آخر. وقد ظنت الحكومة الحالية أنها تستطيع جباية أموال أكثر من جيوب الأردنيين، رغم فشلها الكبير في زيادة متوسط مداخيلهم، وتحسين وتيرة النمو الاقتصادي.
إذ كان المستهدف، بحسب الموازنة، تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3 %. لكن الخطط اصطدمت بواقع الحال وظروف الإقليم، وأهم من ذلك غياب الخطة الوطنية للتخفيف من شدة المأزق الاقتصادي، فبقيت الحكومة وما تزال تعمل وكأنها في حقبة بحبوحة اقتصادية، ما فاقم المشكلة المالية. فالخطط كانت تقضي برفع نسبة الإيرادات المحلية إلى إجمالي الإنفاق لتصل 80 %، وهو ما لم يحدث، فكان الفشل في ذلك يعني توجيه جزء من الاقتراض الحكومي نحو تغطية الإنفاق الجاري المقدر بحوالي 6.7 مليار دينار سنويا.
بالنتيجة، فإن عقلية الجباية التي سيطرت على إدارة الملف الاقتصادي، قادت أساساً إلى هذه النتيجة. وتضافرت معها (العقلية) سياسات الإعفاءات غير المدروسة لبعض القطاعات، ومنها الألبسة، بغية التخلص من وسم الحكومة بـ"الجبائية"، إنما بعد فوات الأوان، وبما أدى فقط إلى خسارة الخزينة أموالا من دون مبرر حقيقي منتج.
ويصف مسؤولون كيف صار رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، يتعامل في الآونة الأخيرة مع بعض الأفكار التي قد تسهم في حل جزء من المشاكل؛ إذ يعتريه -بحسبهم- تردد شديد، بل ويبادر إلى إغلاق باب النقاش بشأنها، علّ وعسى أن يتخلص من سمة الجباية التي لحقت به عند الرأي العام الأردني.
فمقربون من د. النسور يرون أنه لم يعد متحمساً لقرارات تزيد الأعباء على المواطنين بشكل عام، بعد أن اقتربت مدة إقامته في "الدوار الرابع" من نهايتها، ليبدو -بخلاف الحال مع بداية عمر حكومته- أقرب إلى الساعي إلى تأخير اتخاذ مثل هذه القرارات.
أما السبب الثاني الذي أدى إلى تراجع الإيرادات العامة، فمرتبط بانخفاض حجم المنح المقدمة فعلياً عن ذاك المقدر. إذ وُضعت موازنة 2015 على أساس تلقي منح بقيمة 1.1 مليار دينار، لكن ما وصل فعلياً كان 886 مليون دينار، أي بمقدار نقص/ انحراف بلغ نحو 242 مليون دينار.
واستمرار الدور الكبير للمنح رغم تراجع حجمها، يؤشر إلى خلل آخر مزمن، لكن لم يعد ممكناً السكوت عنه.