ما الوعي وما الشعور؟

يقول علماء الدماغ إنه بينما تزداد معرفة الإنسان في الفضاء وأعماق البحار والمحيطات، فإن معرفته لما هو أقرب إليه -أي الدماغ والعقل- ما تزال بسيطة للغاية. فإلى اليوم، ما يزال الدماغ والعقل يشكلان أعظم الألغاز أو الأسرار العلمية والفلسفية، كما يفيد أي. سي. خرينلج؛ أستاذ الفلسفة في جامعة لندن. اضافة اعلان
نحن إلى اليوم -كما يقول- لا نعرف ما الوعي وما الشعور، وكيف يحدث كل منهما؛ أي لا نعرف العلاقة بين الظاهرة العقلية، كالأفكار والمشاعر، وبين ما يحدث في الدماغ. ومع أن الأجهزة الحديثة التي تصور نشاط الدماغ الحي تطورت كثيراً وزادت من فهمنا عن الارتباط بين الفسيولوجيا والسيكولوجيا، إلا أننا لا نعرف ما الوعي وما الشعور. فقبل ثلاثة قرون، أعلن الفيلسوف ديكارت أن أفضل حل للمشكلة هو تجاهلها. ويؤيده بعض الفلاسفة والعلماء في ذلك.
وينتقد روجر بنروز -أستاذ الرياضيات في جامعة أكسفورد- في كتاب له عن الدماغ وظلاله (The Emperor's New Mind and Shadows of the Mind,1989) "المحاولة الراهنة لمماثلة الدماغ بالكمبيوتر، وأنه يمكن في يوم ما صنع كمبيوتر مماثل له؛ لأن الطريق لفهم الوعي أو الشعور تتطلب تفكيك الفذلكة الشديدة التعقيد لبلايين الترابطات الدماغية. وهو أمر شديد الصعوبة عملياً، وإن كان ممكناً من حيث المبدأ، إلا أنه غير محتمل من الناحية العملية، لأن أقوى نماذج الكمبتة (الحساب الكمي) لا تستطيع محاكاة الوعي أو الشعور، ولسبب واضح هو عدم قابلية الوعي والشعور للكمبتة.
ويضيف: "لا يعني ذلك الاستحالة، وإنما يعني أو يفرض توسيع العلم ليضيف طرقاً جديدة تجمع بين العالم المايكروسكوبي الذي تصفه الفيزياء الكمية والفيزياء الكلاسيكية". لا يفكر الإنسان كالكمبيوتر لأن عمليات التفكير الإنساني لا تشبه عمليات الكمبيوتر الخطية، كما يقول دبليو. تي. أندرسون.
إن الوعي بالنسبة للناس هو أسهل بدهية في العالم؛ فهو الوعي بالوعي الذي يتصور كل واحد منا أنه يفهمه ولا يحتاج إلى من يفهّمه إياها، وأنه يلمع في الوجوه والسلوك. ولدى كل منا معرفة كافيه فيه لقراءة هذا اللمعان والسلوك في أثناء التفاعل الاجتماعي. مع هذا، فإن هذه الألفة بالوعي هي التي تجعله سراً أو لغزاً محيراً أربك الفلاسفة والعلماء مدة طويلة، لدرجة جعلت بعضهم يدّعي أنه لا يوجد شيء اسمه الوعي.
أما الأستاذ انطونيو داماسيو في كتابه "الشعور بما يحدث" (The Feeling of What Happens, 2000)، فيرى أن الوعي يبدأ كشعور خاص بالشعور، وبالتالي بالمعرفة (Knowing)؛ وأن كلا منا تبعاً لذلك هو المالك والمشاهد للسينما الدائرة في دماغه، أي ما يشكل خبرتنا الواعية التي تمثل العالم من حولنا وتجعلنا مركزه، وأنه الوعي اللازم للبقاء للحماية من الأذى. كما توجد مستويات مختلفة من الوعي يقع بعضها في اللاشعور، وبعضها وأعلاها بالشعور الممتد".
ويحذّر داماسيو من مماثلة الوعي بالوظائف العقلية، كاللغة والذاكرة والتبصر والانتباه، مع أنه يستوعبها؛ لأن الوعي سابق لها وليس ناجماً عنها. كما يرى أن للانفعالات والعواطف صفة أساسية في الوعي، وأنهما يتداخلان في المنطق والفكر والهوية الشخصية.
في الختام نقول: إن سؤالا "ما الوعي؟" و"ما الشعور؟" ما يزالان قائمين، وبحاجة إلى أجوبة.