ما بعد الثلاثين.. نضج فكري وعاطفي وقرارات أكثر نجاحا

مرحلة الثلاثين تطغى عليها العقلانية والنضوج- (ارشيفية)
مرحلة الثلاثين تطغى عليها العقلانية والنضوج- (ارشيفية)
منى أبوحمور عمان- لا يمر عمر الثلاثين بحياة الرجل والمرأة مرور الكرام، فهو مرحلة جديدة تطغى عليها العقلانية والنضوج والتكيف مع مختلف المتغيرات، وتتباين فيها النظرة للحياة، وقد يكون فيها القرار أكثر ميلا نحو الصواب. بعد الثلاثين، تقل التجارب الفاشلة وقد تتلاشى الانكسارات، فيكون الحب أصدق والفكر أعمق والوعي أكبر.. بهذه الكلمات عبرت الثلاثينية ميساء مرعي عن عمر الثلاثين الذي اعتبرته مرحلة جديدة من الوعي والنضج وتحقيق الإنجازات. لعل الإنجاز والنجاح اللذين تقصدهما مرعي، مرتبطان بالنضج الفكري والقدرة على اتخاذ القرار الصائب من وجهة نظرها، لافتة إلى التغير الكبير الذي طرأ على شخصيتها وعلى علاقاتها بمن حولها، فأصبحت أكثر صبرا وأكثرا تقبلا لوجهات النظر وتؤمن بالاختلاف. هذا ما أكدته دراسة أميركية حديثة استمرت 54 عاما، حددت أهم مراحل السعادة في حياة الإنسان، حيث قام علماء النفس الأميركيون بإجراء 3 دراسات على رجال ونساء في 3 ولايات أميركية تراوحت أعمارهم بين 82 إلى 70 عاما، وخضع المشاركون في هذه السنوات إلى استجوابات سنوية تدور حول السعادة. وتوصلت الدراسات في النهاية إلى أن الرغبة في الاستمتاع من الأهداف التي لا تغيب عن بال أي إنسان سواء كان رجلا أم أنثى، فمع تقدم العمر يزداد الإقبال على الحياة وترتفع الروح المعنوية. ولاحظ العلماء أن نسبة سعادة المرأة وإقبالها على الحياة تزداد بعد بلوغها مرحلة الثلاثينيات من العمر حيث تتحسن حالتها النفسية مقارنة بالرجل. وفي العمل، بدأت النجاحات تتوالى على الثلاثيني خالد الزعبي الذي أمضى فترة عصيبة في العمل لاسيما في البدايات، فلم يكن على وفاق مع مديره المباشر وفق قوله، فضلا عن أخذه الكثير من القرارات بشكل شخصي، الأمر الذي جعله يعيش فترة صعبة في العمل. ويقول الزعبي، بعد بلوغ الثلاثين تتغير علاقة الفرد بمن حوله، ويميل إلى تجنب المشاكل ويصبح أكثر وعيا وتكيفا في علاقاته، ولا يدع نفسه رهينة للخلافات في وجهات النظر. لم يكن لعمر الثلاثين الأثر الإيجابي في حياة الزعبي على الصعيد العملي فحسب، فأصبح أكثر قربا من أسرته وارتباطا بأفراد العائلة. يقول "أصبحت أقدر قيمة الوالدين والأخ والأخت وأصبحت الحياة بأكملها مختلفة"، فلم يعد هناك متسع من الوقت يهدره في الخلافات والغضب، كما كان سابقا. "في الثلاثين أصبحت أشعر بمتعة كل شيء، العمر والعمل وحتى نكهة الطعام"، هكذا يصف علاء السيد مرحلة ما بعد الثلاثين من عمره. ويضيف السيد "في الثلاثين أصبح للحياة اعتبارات أخرى ونظرة مختلفة تجاه كل القرارات التي تتعلق بحياتي وأصبحت أعد للعشرة قبل البدء بأي شيء". في حين تجد هند الخالد أن النضوج في عمر الثلاثين لا يقتصر على العقل، وإنما المشاعر والعاطفة تنضج أيضا، الأمر الذي يضع الإنسان في الكثير من المواقف، ويعيد حساباته بقرارات مضت وكيف اتخذها حينها. وتذهب الخالد إلى أنه في الثلاثين قد تندم على اختيار شريك حياتك، وإما أن تقتنع بما اخترته وتستكمل حياتك، لكن الأكيد أنه بعد هذا السن ترفض التسرع مهما كان الثمن، وتتخذ قرارات الحياة "على نار هادئة". أخصائي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة، يبين بدوره أن المرحلة العمرية لا تنحصر بسنة محددة، لكن مرحلة الثلاثين هي النضوج ويكون فيها الشخص أكثر واقعيا وعقلانيا ولديه القدرة على التعامل مع فئات مختلفة من المجتمع المحيط به وتكون الرؤية أوسع وأكبر نتيجة التجارب والخبرات والمرور بمراحل عمرية مختلفة. ويقول مطارنة في هذه المرحلة يصلح الزواج وبناء المستقبل والبدء في المشاريع ووضع خطط على الصعيد الشخصي والعملي، وقدرة على وضع استراتيجيات ثابتة، في حين أن المراحل العمرية ما قبل الثلاثين تكون متغيرة وليست ثابته. إلى ذلك، يضيف مطارنة في الثلاثينيات المفاهيم تتميز بالثبات والتعامل مع متطلبات الحياة والمواقف التي يتعرض لها الإنسان تكون أكثر مهارة وحرفية، مؤكدا أنها من أجمل مراحل الحياة ويجب استغلالها بشكل جيد والبحث عن الحب والزواج والاستقرار والعمل في هذا العمر. كما تتصف هذه المرحلة العمرية، بحسب مطارنة بالوصول إلى المكانة الإجتماعية والتعامل مع المعطيات بشكل إيجابي وتتسم علاقاته الاجتماعية بالاستقرار. ويستدرك مطارنة، تتصف الخطوات التي يتخذها الفرد في هذا العمر بأنها ناجحة والقرارات أكثر ميلا للصواب من دون أي انتكاسة اجتماعية أو اقتصادية، الأمر الذي ينعكس ايجالبا على نفسيته في هذه المرحلة العمرية. وعلى الصعيد النفسي تتكامل في مرحلة الثلاثينيات بالنضج النفسي والعاطفي والفكري لدى الإنسان ويصبح يشعر بنوع من الأمان والإيجابية والتأني والهدوء، ويبدأ بتحقيق أهدافه وطموحاته ويستمتع بالأشياء من حوله وتكون العلاقات الإنسانية فيها نوع من الرؤى والوضوح والسكينة ويكون بناء الأسرة في هذه المرحلة أكثر نضوجا ونجاحا. أخصائي علم الاجتماع الأسري مفيد سرحان يشير إلى أن الإنسان يكتسب الخبرة بحكم التعلم والدراسة والعلاقات الاجتماعية والعمر وطبيعة الشخص من حيث المقدرة والاستعداد للتعلم والاستفادة والبيئة التي يعيش بها، لذلك نجد هناك فروقات بين الأشخاص حتى وإن كانوا بذات العمر والمستوى العلمي. عامل العمر مهم جدا وفق سرحان، حيث يكتسب الإنسان خبرة عملية وهذه الخبرة والتجربة من الصعب تحصلها إلا مع مرور الوقت والسنين، وفي الأغلب فإن الإنسان خلال فترة الدراسة يكون لديه تجربة ولكنها ضمن إطار محدد وبعد إنهاء فترة الدراسة والبدء في العمل يكتسب تجارب جديدة. وبحكم التجارب والنضوج العقلي وسنوات العمر، فغالبا ما يكون الشخص أكثر قدرة على اتخاذ القرارات بحسب سرحان، بسبب تجاربه السابقة واطلاعه على تجارب الآخرين. مرحلة ما بعد الثلاثين من خلال واقع التجربة، تنضج تجربة الفرد، ويكون أكثر ميلا للاستقرار النفسي والاجتماعي، وهذه الفترة قد تستمر لسنوات وهي ليست محددا علميا دقيقا، فقد نجد بعض الاشخاص تجاوزوا الثلاثين لكن خبرتهم وتجربتهم كانت بسيطة لأسباب منها عدم اعتمادهم على انفسهم وعدم الاستعداد للتضحية وخوض التجارب مما يجعل الشخص قليل الخبرة.اضافة اعلان