ما بعد الجريمة الإرهابية؟

رحم الله الشهداء الأبرار الذين سقطوا ضحايا الإجرام والإرهاب في الكرك الأبية. والشفاء العاجل للجرحى الأبرياء الذين نزفت دماؤهم على الإرض الأردنية الطهور. فالإرهاب الذي لا يعرف دينا ولا أخلاقا ولا إنسانية ولا مبادئ ضرب أول من أمس أرض الأردن في الكرك العزيزة على قلوب الأردنيين جميعا. هذه الجريمة وعلى الرغم من بشاعتها، علينا أن نستفيد منها لمقبل الايام حتى لا تتكرر مثل هذه العمليات الإرهابية. فالإرهابيون يترصدون بالأردن، ويحاولون إذا ما اتيحت لهم الفرصة اقتراف جرائمهم، وترويع المجتمع الآمن، وإثارة الخوف والهلع في صفوفه.اضافة اعلان
نحن نتحدث منذ زمن عن تجفيف منابع الإرهاب والتطرف والعنف، ولكن مما يبدو، أن هذا الهدف لم يتحقق بعد، وهناك منابع للإرهاب تعمل وتغرر بالأطفال والشباب، وتساهم بغرس الكثير من الأفكار المتطرفة والإرهابية بعقولهم، وتمحو من نفوسهم التسامح والرحمة والرأفة، ولا تشجع على الحوار لحل الخلافات، وإنما على العنف لإثبات وجهات النظر، وفرض الرأي، وقبل كل شيء زرع الفتن والضغينة. نعم، لم تُعرف بعد هوية المجرمين الذين اقترفوا جريمتهم، ولا انتماءاتهم الفكرية، ولكن من طبيعة الجريمة والعملية الإرهابية، يظهر، واضحا، أنهم متطرفون، لا يحترمون الإنسان والإنسانية، فيقتلون، من دون مراعاة لأي مبادئ أو أخلاق أو مشاعر. إنه التطرف بعينه، الذي يجد مبررات للقتل والخراب.
الجريمة الإرهابية، لا يجوز، ومن غير المقبول، أن تمر من دون أن تكون هناك مراجعة طويلة لإجراءاتنا لمواجهة التطرف والإرهاب والقتل الأعمى، فالدماء الزكية التي أسيلت لتروي تراب الأردن، تلزمنا أن نكون بمستوى تضحياتها، وأن نبحث عن الأسباب، والأخطاء والثغرات التي ساهمت بأن يتمكن الإرهابيون من القيام بفعلتهم الشنيعة. نعم، نعتقد أنه لا يوجد مجتمع محصن ضد الإرهاب، فنحن في منطقة ساخنة، يحتشد فيها الإرهابيون، ويمارسون أفعالهم الإجرامية، وينشرونها في العالم، ولكن هذه الحقيقة لا يجوز أن تدعونا للسكون وقبول الأمر الواقع.
إن هذه الجريمة البشعة، يجب أن تدفعنا لإعادة النظر في الكثير من الإجراءات والخطوات والاستراتيجيات لمواجهة التطرف والإرهاب. كما أنها تدفعنا أيضا لدراسة الأسباب التي تتسبب بوجود متطرفين بين ظهرانينا. نعم، نحن مجتمع متسامح، ولكن هناك من يشذ عن ذلك، ويرفض المجتمع المتسامح الذي يقبل الآخر، ويشجع على الحوار، فينحو نحو العنف والتطرف والإرهاب. هؤلاء بالرغم من قلة عددهم، إلا أن هناك ظروفا وعوامل موضوعية وذاتية ساهمت بوجودهم، علينا اجتثاثها ومعالجتها بجدية تامة، فأي استهتار على هذا الصعيد ثمنه دم غال.