ما بعد الصراع الليبي.. "نافذة فرصة" لإعادة بناء دفاع أوروبا

أيلجييه* - (لوموند) 22/5/2012
 ترجمة: مدني قصري

لا شك أن الدفاع الأوروبي لم يخرج قويا من الأزمة الليبية. ذلكم هو الحكم المتسرع الذي أبداه البعض. غير أنه يجب أن نسلم بأن البلدان الأوروبية كثيرا ما توجه نشاطاتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية بصورة مشتتة، لخدمة مصالحها الخاصة أوّلا. وبطبيعة الحال، قد يكون عجز الأوروبيين عن العمل معا أمرا مستهجنا، ولكننا نستطيع أيضا، وهذه من مفارقات هذا الصراع، رؤية أن الأزمة الليبية تمثل فرصة حقيقية لإطلاق بناء الدفاع الأوروبي من جديد.اضافة اعلان
هذا التأكيد المتفائل يأتي من أكثر النقاط حساسية في هذا الصراع، ألا وهو مستوى مشاركة القوات الأميركية التي كانت منخفضة نسبيا في هذا الصراع. فعلى الرغم من وجود وضعية كلاسيكية، مع منظمة الأمم المتحدة كداعم معنوي، ومع منظمة حلف شمال الأطلسي كإطار للعمل العسكري، فقد التزم حلفاؤنا الأميركيون بنوع من الحياد على الصعيدين السياسي والعسكري. ولذلك، فإن هذا الموقف الذي لم يسبق له مثيل في الأزمات الحديثة العهد التي كان الأمن الأوروبي فيها على المحك (البوسنة وكوسوفو) يجب أن يستوقفنا. فلنكن إذن واقعيين!
لقد كانت المساهمة الأميركية في الواقع حاسمة في العديد من المجالات الحيوية. فماذا كان يمكن أن يكون في هذا الصراع مصير صواريخ كروز المحمولة، والطائرات حاملة الرادارت وطائرات التزود بالوقود، أو الطائرات من دون طيار، ووسائل الحرب الإلكترونية المختومة بعلامة "حكومة الولايات المتحدة"؟ لكن "المساهمة الحاسمة" لا تعني "المساهمة الأساسية"، إذ أُسندت إدارة تسيير الصراع بوضوح لفرنسا وبريطانيا.
ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من هذا الموقف وتبعاته؟
هنا أوّلا شعور بالرضا. فالدولتان العسكريتان الكبريان الرئيسيتان في أوروبا، أي فرنسا وبريطانيا اللتان وضعتا أمام مسؤولياتهما، سرعان ما رفعتا التحدي المتمثل في تدخل عسكري كانتا قد قرّرتاه بنفسيهما ونفّذتاه بموجب تفويض من الأمم المتحدة. ثم هناك ثانيا شعور بالأسف والندم. لقد جاء العجز السياسي للأوروبيين على العمل في جبهة موحدة في ليبيا بمثابة صدى مؤسف وغير سار لأزمة البلقان العام 1991. ولا أحد ينسى أيضا أن القدرات الحاسمة المذكورة والتي قدّمها الأميركيون، مرة أخرى، قدرات كنا نحن الأوروبيين نفتقدها بالفعل في العام 1999 خلال حرب كوسوفو.
ولدينا في الأخير دوافع للأمل، لأن العمليات العسكرية أثبتت أهمية وفعالية وجود منظمة عسكرية أوروبية حديثة، وقيادة أوروبية للنقل الجوي. وهذه حقيقة لا يعرفها الكثير حتى الآن، لكن هذه المنظمة لعبت دورا مهما في عملية الدعم الجوي.  فبتعاون طائرات النقل العسكري أمكن للدول الأعضاء في القيادة الأوروبية للنقل الجوي أن ترفع أداءها التشغيلي إلى المستوى الصحيح. ففرنسا التي يمر نقلها الجوي العسكري بظروف صعبة استطاعت على هذا النحو أن تستفيد من هذا التعاون الأوروبي في تحقيق أهدافها السياسية الخاصة.
فالطريق إذن بات مرسوما الآن. وعلينا ألا نتردد في تفعيل وسائل أخرى مشتركة على المستوى الأوروبي. فسوف نجد في الأجل القصير هوامش عملية للمناورة من دون انتظار موارد مالية إضافية محتملة.
بالطبع، قد يحمل هذا الرهان في طياته خطر تقويض الأدوات العسكرية الوطنية. وبالتأكيد لا ينبغي أن يكون البحث عن الفعالية ضد مصلحة الدول. لكن هذه الفعالية لا يمكن، بسبب الأزمة المالية تحديدا أن تتحقق من دون بعض التنازلات. فلن نستطيع أن نحتفظ إلى ما لا نهاية بكل الوسائل تحت قيادة وطنية واحدة. يجب أن يكون الاختيار في مجال القدرات واضحا. فالقدرات التي تضمن وجود بلدنا نفسه، والتي تضمن استقلاليته في  القرار قدرات لا يمكن أن تكون مشتركة. وفي المقابل يمكن لقدرات أخرى أقل مساسا بسيادتنا الوطنية أن تستفيد من هذه الشراكة.
ثم إن التشارك في تفعيل الوسائل لا ينبغي أن يثير قلقا مفرطا. فبوضع طائراتها تحت القيادة الأوروبية لم تتخل فرنسا عن استخدامها لتحقيق مصالحها الخاصة. ولم تفقد أيضا جزءا من وسائلها. بل صار على العكس في وسعها أن تستفيد من وسائل دول أخرى في مقابل مساهمتها في القيادة الأوروبية للنقل الجوي. فهذا النموذج القائم على التعاون المربح لكل الأطراف يمكن أن نتوسع في توظيفه بصورة مفيدة. لكن لا بد على غرار القيادة الأوروبية للنقل الجوي من أن نفكر أيضا في إنشاء شراكات مع حلفاء رئيسيين. فاتفاقيات "لانكاستر هوز" التي وُقعت مؤخرا مع بريطانيا العظمى بإمكانها، على سبيل المثال، أن تُرسي قواعد جديدة لبناء مزيد من التكامل الأوروبي في المجال البحري.
ولكن إذا كانت الفكرة واعدة، فإن تنفيذها غاية في الصعوبة. المطبات كثيرة، وسوف نحتاج إلى وقت طويل لبلورة المنظمات المختصة. لأن هذه المنظمات ليست في النهاية سوى ترجمة لرؤية سياسية أوروبية لا بد من البحث عنها فيما يتعلق بالدفاع الأوروبي. إن تشكيلة الإمكانيات المتاحة بين عملية توفير الوسائل بصورة مؤقتة وبين نقلها بصورة كاملة إلى سلطة مشتركة، تشكيلة واسعة جدا. والتوازن بين هذين الموقفين مرهون أساسا برغبة الأوروبيين، أو رفضهم لإنشاء سيادة أوروبية. لكننا لا نعْبر المسافات الكبرى إلا بخطوات صغيرة، أما صعوبة العثور على اتفاق سياسي فلا ينبغي أن تحول دون مبادرات التعاون ما بين الدول.
ودعونا نفهم من الآن ونستوعب الدرس الذي نستخلصه من الصراع في ليبيا. فبعد مرور سبعة وخمسين عاما على فشل منظمة الدفاع في الجماعة الأوروبية، وفيما تتسلح العديد من البلدان في عالم غير مستقر، فقد صرنا على الأرجح في نقطة تحوّل جديدة. فهل سنُحْسن التفاوض حول هذا الأمر؟


*قائد في سلاح الجو الفرنسي.
*نشر هذا المقال تحت عنوان
L'après-conflit libyen, une "fenêtre de tir" pour relancer l'Europe de la défense

[email protected]