ما بعد الصفقة الكاذبة؟

أتابع ما كتبته في المقال الفائت ومحصلته أن صفقة القرن هي مجرد دعوة أميركية للموافقة على الأمر الواقع الاحتلالي مقابل وعود اقتصادية براقة، ويستحيل ان تجد فلسطينيا او اردنيا أو عربيا يوافق عليها، وقد ردّ جلالة الملك على حملات التشكيك بإعادة تأكيد واضحة وقاطعة على التمسك بالقدس والمقدسات ورفض مشروع لا يتنكر فقط للحقوق الفلسطينية بل يقود في آخر المطاف الى الوطن البديل وزج مستقبل الأردن في نفق مظلم.اضافة اعلان
وبرسم من صدّق الصفقة الموعودة نقدم قرار ترامب الاعتراف بضم الجولان لإسرائيل! ألا يقول هذا كل شيء عن جدّية الرؤية الأميركية للتسوية!! كان ترامب يستطيع الانتظار لحين عرض صفقة التسوية حول فلسطين قبل هذا القرار الصفيق، لكن دعم نتنياهو ونجدته في الانتخابات كان اهم من صفقة القرن المزعومة فقدم له آخر هدية ممكنة بعد الاعتراف بالسيادة على القدس والمستوطنات وانكار حقوق اللاجئين، فلم يبق غير الجولان للاعتراف بضمّها وفعل ذلك دون ان يرمش له جفن، ودون أن يحسب اي حساب للموقف العربي ودون اي قلق على مستقبل التسوية.
ماذا ترك ترامب للدول العربية، خصوصا الخليجية المستهدفة بالتطبيع، من هامش للتعامل مع مشروع الصفقة؟! الاعتراف بضم الجولان انهى آخر وهم .. التسوية اصبحت وراء ظهرنا، وعلى ذلك يجب التصرف على المدى القريب والمتوسط. لكن الأمر الواقع الاسرائيلي الأميركي سيفرض نفسه بقدر ما يتقدم التطبيع وبدون حاجة لتوقيع. لذلك يتوجب بناء سد جديد أمام التطبيع تتعاهد عليه الدول العربية بصدق وحزم وإلا فهي تعرض نفسها الى كارثة. الحكومات ستهين نفسها في عيون شعوبها وستصنع انهيارا معنويا داخليا خطيرا وستفتح الباب لتفسخ سياسي واجتماعي وقلاقل وربما عودة جديدة للارهاب.
موضوع التطبيع والتوافق على سياسة مقاطعة واضحة وصارمة ومفصلّة تتعاهد عليها وتقرّها الدول العربية يجب ان يتصدر جدول اعمال قمّة تونس القادمة. فالقمة بالضرورة سوف تعيد التأكيد على الموقف العربي التقليدي بالتأكيد على الحقوق الفلسطينية والعربية وشروط التسوية العادلة وفق قرارات الشرعية الدولية، وسوف تؤكد رفضها للسيادة الاسرائيلية على القدس والجولان، وقد تدين صراحة قرارات ترامب وستناشد العالم دعم الموقف العربي. لكن كل هذا لا قيمة عملية له اذا لم يتم التفاهم بصراحة وصدق على سياسة واضحة ومفصلة ضد التطبيع ترسل رسالة جدّية الى اسرائيل والادارة الأميركية بأن كل المكاسب التطبيعية تلاشت وستبدأ الدول العربية رحلة معاكسة تعود بها الى زمن المقاطعة الشاملة بسبب مواقف ترامب والتعنت الاسرائلي.
العودة الى الذات والسهر على تسويات سياسية على الجبهة الداخلية هو ما تحتاجه الدول العربية خلال الحقبة القادمة. استعادة التماسك الداخلي والسهر على اصلاح سياسي ينقي المجتمع من الانقسامات الطائفية وتطبيق معايير الحكم الرشيد ومكافحة الفساد هو ما يقوي الجبهة الداخلية وبالنتيجة يقوي الموقف السياسي العربي في مواجهة الغطرسة الصهيونية والعجرفة الأميركية. استعادة مشروع الدولة الوطنية هو الطريق لاستعادة التضامن العربي ولإعادة بناء النظام العربي. وفي الاثناء، فإن القمة الثلاثية؛ الأردنية العراقية المصرية كانت خطوة في الصميم وبالاتجاه الصحيح تسد من خلال هذا المحور المحتمل الفراغ الخطير في المشرق العربي. ولهذا حديث آخر.