ما بعد بعد القصير

تستقطب المعركة الجارية في محيط بلدة القصير الرابضة على نهر العاصي، القسط الأكبر من اهتمامات المتابعين للشأن السوري في هذه الآونة. وهي المعركة التي يصفها النظام وحلفاؤه بأنها أم المعارك السورية، ويراها البعض الآخر على أنها العبور الشائن لعتبة فتنة مذهبية مديدة.اضافة اعلان
وزاد من أهمية معركة القصير المحتدمة الآن، وأدخلها في باب الدلالات الرمزية الهشة للحرب التي لم تتوقف ليوم واحد على مدى العامين الماضيين، دخول حزب الله على خط هذه المعركة، إن لم نقل دخول إيران في واقع الأمر بكل ما لديها من قوة عسكرية مدّخرة للدفاع عن مشروعها الإمبراطوري الذي استثمرت فيه بالمليارات، واعتمدته كرافعة قوية لفرض حضورها وتعزيز دورها الشرق أوسطي، واقتحام العالم العربي كقوة إقليمية ضاربة.
ولعل السؤال الذي يستحق الطرح قبل غيره، هو: ما الدافع الجوهري الذي يقف وراء هذه الاندفاعة المتهورة لحركة مقاومة نالت أرفع الدرجات في وجدان العرب قبل نحو سبع سنوات، بعد آخر مواجهة لها مع إسرائيل، وبدت حينها كقوة عابرة لحدود الكيانات والطوائف والإثنيات، ثم انزلقت هكذا الى مكانة ميليشيا طائفية تدوس بأقدامها على ميراثها، وتحارب إلى جانب نظام متوحش لا يرعوي عن ذبح الاطفال والنساء بالسكاكين؟
لن يعدم الحزب الكثير من الذرائع والمبررات التي ظل يسوقها لتسويغ هذا الانخراط العلني في أتون أزمة مفتوحة على أخطر الاحتمالات. غير أنه لن يستطيع التستر بعد اليوم على الدافع المذهبي الفج لهذا التورط العميق في أتون حرب داخلية ظل المتحاربون يرفضون وصفها بحرب طائفية، إلى أن دخل الحزب على خط المعركة في القصير بصورة شديدة الفظاظة.
والحق أن أحداً لا يمكنه اتهام قيادة حزب الله بالافتقار إلى الحصافة. وبالتالي، فإن السؤال: ما هي رهانات هذا الحزب وهو يخوض معركة الأسد في القصير، ويضحي بمجد سامق سبق أن ناله بجدارة؟ هل يعتقد قادته أن الفوز في القصير سيحسم الحرب؟ وكيف لقوة خارجية صغيرة في بلد أصغر، أن تقرر أقدار نحو خمسة وعشرين مليون سوري، عبروا نقطة اللاعودة في انتفاضتهم ضد طغمة مستبدة؟
ومع افتراض أن تدخل حزب الله سيعجل في إنهاء المعركة حول القصير، وهو افتراض مشكوك فيه، نظراً لما تقدمه داريا وحمص والزبداني وغيرها من نماذج صمود أسطورية، فماذا بعد القصير، وبعد بعدها، عما ينتظر حزب فئة لبنانية تخاطر بمصيرها، من ردود أفعال انتقامية لا نهاية لها، وانكشاف مذهبي مروع، وسط لعبة حرب واسعة، تعي الأطراف المقابلة فيها أن انتصار الحلف الإيراني فيها من شأنه بسط نفوذ آيات الله على عموم المنطقة؟
يبقى السؤال الذي لن يغامر حزب الله بطرحه للتداول علناً: ماذا لو صمد الثوار في القصير وطال أمد المعركة، ثم تحولت إلى فجوة سوداء قادرة على امتصاص الرجال والمقدرات والسمعة المتبقية لذراع إيران العسكرية في الشرق الأوسط؟ كيف سيواجه الحزب هذا المآل في نهاية مطاف قد لا يكون طويلاً؟ وكيف سيسوي الحساب مع النفس، قبل أن يسوي الحساب المفتوح مع ملايين السوريين والعرب، الذين أنزلوه من أعينهم إلى درك ميليشيا طائفية، وشاهدوه كبطل إغريقي مضى إلى مصيره المحتوم بعينين مفتوحتين وعقل مغلق؟!

[email protected]