ما بعد خطاب الملك

يشكل خطاب جلالة الملك للأمة نقطة فاصلة في الحراك السياسي الرسمي والشعبي الذي شهدته البلاد في الشهور الماضية، وفي مسيرة الوطن الإصلاحية الممتدة لسنوات. لقد أكد جلالته في خطابه على أن الإصلاح ليس ترفا، وليس عملية ترضية لفئة أو فئات معينة، وليس مسكّنا للناس، وإنما هو ضرورة وطنية منبثقة من الرؤية الملكية والحاجة الوطنية والطموحات الشعبية. وبالتالي، فإنه لا مجال للتراجع عن هذه العملية لأي سبب كان.اضافة اعلان
المسألة الثانية مرتبطة بطبيعة ومدى الإصلاح المطلوب. فقد حدد الخطاب إطارا عاما لمجموعة من الإصلاحات الدستورية، وعلى رأسها حكومة تشكلها أكبر كتلة برلمانية أو حزبية؛ أي حكومة منتخبة. وإذا ما أضفنا لذلك التعديلات الدستورية التي ستخرج بها اللجنة الملكية الدستورية، ومخرجات لجنة الحوار الوطني، فإننا بصدد حزمة متكاملة كفيلة بأن تؤدي إلى نقلة نوعية في الحياة السياسية في الأردن حال تطبيقها، وإعادة التوازن إلى العلاقة بين الدولة والمجتمع، والعلاقة بين مؤسسات الدولة، كالحكومة والبرلمان والقضاء. إن هذه الحزمة ترقى إلى مستوى "عقد اجتماعي جديد" كفيل أن يعمل على تهيئة الأردن للدخول في مرحلة جديدة متقدمة، عنوانها الأساسي المشاركة السياسية والمواطنة القائمة على المساواة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا بعد خطاب الملك؟
إن الإطار العام الذي يحدد ملامح المرحلة السياسية المقبلة أصبح جاهزا، ونحن بحاجة للانتقال من مرحلة الإطار والرؤية إلى مرحلة تحقيق الأهداف والتنفيذ. إن ذلك يتطلب من الجميع أن يقوموا بواجباتهم حسب مواقعهم.
إن العبء الأكبر في الانتقال يقع على عاتق السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولكن الأحزاب والقوى السياسية الأخرى لها دور في ذلك.
إن المطلوب من الحكومة هو وضع خطة تنفيذية تشمل كل القوانين والتعديلات الدستورية التي تضمنتها مخرجات لجنة الحوار الوطني والتعديلات الدستورية التي ستخرج بها اللجنة الملكية الدستورية مع جدول زمني معقول لتنفيذها، وتعلنها للمواطنين، والتي يمكن من خلالها قياس ومتابعة مدى التقدم المحرز حسب هذه الخطة التي تعلنها الحكومة، أي خريطة طريق تنفيذية.
إن دور السلطة التشريعية لا يقل أهمية عن دور السلطة التنفيذية، حيث إنها الجهة المخولة بتحويل مشاريع الإصلاح والقوانين إلى قوانين نافذة. ويجب على المجلس النيابي أن يرقى لرؤية الملك ومستوى الطموح الشعبي، وأن ينجز القوانين الضرورية بعيدا عن المصالح الفئوية والحسابات الضيقة.
أما بالنسبة للأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، فتقع عليها مسؤولية الاصطفاف خلف الإجماع الوطني والابتعاد عن الفئوية والمصالح الضيقة. وعليها أيضا أن تقوّم مسيرتها، وتتخذ اللازم لإجراء إصلاح ذاتي يتماشى مع روح المرحلة، فقد انتهى عصر الأيديولوجيات المطلقة والشمولية، ونحن الآن في عصر الواقعية السياسية. وهناك دور إضافي تلعبه القوى السياسية مع القطاعات الشعبية الواسعة، وهو التأكد من أن الرؤية الإصلاحية ومشاريع الإصلاح سوف ترى النور في الوقت المناسب.
إن الإصلاح السياسي مسألة معقدة، ولا تتم بين ليلة وضحاها، ولا بد من أن تأخذ الوقت الضروري لتنفيذها، ولكن بعد وضوح الرؤية، والتوافق على أغلب مكونات الإصلاح السياسي، فلا بد من طيّ صفحة الإصلاح السياسي من خلال تنفيذها والتفرغ للملفات التي لا تقل أهمية عنها، وهي التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإصلاح التعليم.. وغيرها من الملفات.

[email protected]