ما بعد رد الفعل

في الأردن، تصاعدت ردود الأفعال على قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهذا طبيعي لما للقدس من مكانة في قلوب الأردنيين قيادة وشعبا.
الموقف الأردني كان الأهم والأبرز مقارنة بباقي المواقف، إذ شكّل رأس الحربة في الوقوف بوجه القرار، رافضا إياه ومحذرا من عواقبه. كما وقف الملك بصرامة ضد الاعتراف، وقاد حراكا سياسيا ودبلوماسيا ليضع العالم في صورة مخاطر هذه الخطوة على أمن الإقليم واستقراره.اضافة اعلان
الموقف الأردني جاء شجاعا رغم قلة مساحة المناورة ومحدودية الخيارات لبلد يعتمد على الضرائب والمساعدات في توفير أموال خزينته، ورغم ذلك اتخذ موقفا واضحا يتفق مع الحقوق التاريخية، فلا تنازل عن الحق، ولا سكت على الظلم.
ولأن الخيارات محدودة، بات ضروريا أن نتطلع للخطوات القادمة وندرس الخيارات الممكنة للوقوف في وجه القرار، ووضع معيقات عملية في طريق تنفيذه.
على أرض الواقع، يبدو الأردن وحيدا، ويتحرك منفردا؛ سياسيا ودبلوماسيا، رغم الضغوط التي يتعرض لها، ورغم اصطدام موقفه بتحالفاته وعلاقاته التاريخية مع أميركا التي اتخذ رئيسها قرار الاعتراف بدون النظر إلى مصالح الأردن. والحال مع إسرائيل لم تكن في أحسن أحوالها، فهناك أزمة مفتوحة منذ حادثة السفارة في عمان التي قُتل فيها مواطنان أردنيان ما يزال الأردن يطالب بمحاكمة قاتلهما كشرط رئيس لإعادة فتح السفارة.
وفي الوقت الذي يتحرك اليمين الأميركي واللوبي الصهيوني مؤيدا قرار ترامب ويسعى للدفع به للأمام، تبعث طهران رسائل للمملكة على لسان سفيرها في عمان تؤكد حرصها على أمن واستقرار الأردن رغم فتور العلاقات بين البلدين، وتقدم سيناريوهات إيجابية للشراكة الاقتصادية.
الرسائل الإيرانية تأتي في ظل واقع أردني صعب يشعر الأردن نفسه وحيدا، متزامنا مع مواقف عربية مخجلة لم تعد القضية الفلسطينية ولا القدس ضمن أولوياتها، ما يضع الأردن أمام حالة معقّدة تدعو لتفكير عميق في مآلات العمل مع الحلفاء المفترضين وما جلب له هذا التحالف.
من هذا الباب، علينا التفكر لنتأكد أنه ما من أحد سيدافع عن الأردن في وجه تهديدات قرار ترامب، وأننا نحتاج إلى مراجعة التحالفات التي لا تحمي مصالح الأردن، خصوصا أن تلك التحديات تتعاظم مع الحديث عن صفقة القرن والتسريبات حولها التي تقول إن العرض لا يرتقي لجزء يسير من طموحات الفلسطينيين باستعادة حقهم ووطنهم المسلوب بقيام دولتهم، بل هو "صفعة القرن" بعد منح القدس لإسرائيل.
ما العمل إذاً؟ وكيف نواجه ما هو قادم من تحديات؟
الأساس زيادة التنسيق والمتابعة مع الجانب الفلسطيني في مختلف الملفات، وتحديدا القدس وعملية السلام، لهدفين؛ الأول حماية مصالح الأردن وحقوق مواطنيه الذين يحملون صفة اللجوء، وتقوية الموقف الفلسطيني في وجه المخططات الإسرائيلية.
المهم أن ننتقل من رد الفعل إلى الفعل، ورسم خطة قصيرة ومتوسطة المدى للتعامل مع الملف المتشعب والمعقد، بحيث نخلق تفاهمات جديدة تفتح الباب للاعبين جدد، مع التركيز على أوروبا التي قدمت موقفا محترما ووقفت ضد قرار ترامب. وأيضا الانفتاح على كل طرف يتفق معنا في الموقف.
لا ضير من استدارة مدروسة في التحالفات وتوسيع دائرتها بما يحمي المصالح الوطنية، فالقوة والتأثير ينبعان اليوم من ماهية التحالفات التي تقوم أولا وأخيرا على حماية الأردن ومصالحه، خصوصا أن التحالفات القائمة لم تحصّن مصالح المملكة الاستراتيجية واكتفت بتقديم المسكّنات.
قلنا إننا سنطبق مبدأ الاعتماد على الذات، وهذا لا يقتصر على الجانب الاقتصادي، بل الأهم مِن ذلك في ظل الظروف الحالية أن نعتمد على أنفسنا سياسيا.