ما بعد معدل "ليبور" والبديل لمصارفنا الإسلامية

غسان الطالب*

تحدثنا سابقا عن معدل الليبور للتعريف به وكيف يتم تحديده والأسلوب الذي يتبع كمرجعي لسعر الفائدة في الأسواق المالية العالمية ونتيجة الهزات المالية التي مر بها هذا المؤشر وعمليات التزوير التي استخدمتها اللجنة الخاصة به، من أجل تحقيق معدلات ربح عالية لمصالحهم.
نتحدث اليوم عن اعتماد مصارفنا الإسلامية لهذا المؤشر لتحديد معدل الربح على بعض العقود، فمن المؤكد أن معدلات ليبور تستخدم في بعض العقود المالية التي لا تنسجم مع أحكام الشريعة الإسلامية مثل الودائع لأجل وعقود المشتقات المالية والسندات، ثم طبقت هذه المعدلات فيما بعد في بعض العقود المالية الإسلامية مثل عقود الإجارة والمرابحة والصكوك الإسلامية بأنواعها، ثم تطورت الفكرة الى محاولة الاستفادة من هذه المعدلات بشكل أوسع في الصناعة المالية الإسلامية، إلا أن هذا التحول والتوجه لتطبيق أوسع لمعدلات ليبور لتقويم بعض المعاملات المالية الإسلامية، أدى الى خلق حالة من عدم التيقن لدى العديد من عملاء المصارف الإسلامية، وبأن عمل هذه المصارف لا يختلف عن عمل المصارف التقليدية، خاصة في معاملات مالية ما تزال محل خلاف فقهي، مثل الصكوك الإسلامية وعمليات التورق التي تنفذها بعض المصارف الإسلامية.
نورد هذا الحديث عن مؤشر ليبور (LIBOR) في الوقت الذي أعلنت فيه هيئة الرقابة المالية البريطانية أن المملكة المتحدة ستلغي مؤشر سعر فائدة "ليبور" بنهاية العام 2021، كون هذا المؤشر تعرض للعديد من محاولات التلاعب بأسعاره المرجعية بهدف الحصول على المزيد من الربح، من قبل بعض البنوك البريطانية الأعضاء ببنك انجلترا، ومنذ تاريخ إنشائه في العام 1984 من خلال تقديم معلومات غير دقيقة للتأثير على سعر الليبور، وهو المسؤول عن تسعير منتجات مالية تزيد قيمتها على 350 تريليون دولار باعتباره مقياسا عالميا لسعر الفائدة حول العالم.
بعد كل هذا، فإننا نأمل من مصارفنا الإسلامية أن تسعى لإيجاد البديل لهذا المؤشر المرتبط في أدائه على معدل الفائدة، بمؤشر ينسجم مع احتياجات المعاملات المالية الإسلامية، وهذا ليس بالأمر الصعب عليها اذا سعت حقا لذلك، ولديها ما يمكنها من أن تسعى لذلك وهي التي قطعت شوطا كبيرا في مجال تحقيق المنافسة والتوسع والانتشار محليا وعالميا واحتلت مكانة لها في الأسواق المصرفية العالمية، يمكنها ذلك أيضا من خلال المثابرة لابتكار أدوات مالية جديدة وتطوير ما هو موجود ومطبق منها، ويمكنها كذلك في دعم البحث العلمي ووسائله في مجال الصناعة المالية الإسلامية بطرق نوعية يتمخض عنها نتائج تنعكس على أدائها وطرق تفكيرها ليأتي بما هو جديد، وفي الوقت نفسه فسح المجال بشكل أكبر للحوار الفكري والفقهي لتقليص فجوة الخلافات الفقية في العديد من العمليات المالية محل الخلاف لنرتقي بصناعتنا المالية الى ما هو أفضل، بعد ذلك سيكون من السهل إيجاد مؤشرات مالية تحمل خصوصية منتجاتنا المالية الإسلامية وتقطع حبل الشك الذي ينفذ منه المشككون بصحة أدواتنا المالية.

اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي