ما بعد يوم الأرض

شذى نبيل الشريف
شذى نبيل الشريف

شدى نبيل الشريف

مرت في الثاني والعشرين من نيسان الذكرى الخمسين لـ"يوم الأرض" الذي تجتمع فيه جهود ما يقارب المليار شخص في مختلف دول العالم لتسليط الضوء على أهم القضايا البيئية سنويا، وليس غريبا أن يكون محور هذا العام هو"التغير المناخي" والذي لا يزال يشكل خطرا مشتركا على الجنس البشري، ويتطلب تضافرا للجهود تماما كما هوالحال في ملف التصدي لأزمة "كورونا" المستجد على الصعيدين الوطني والدولي، إلا أن حتمية الموضوع تستوجب اجتراح مقاربة استراتيجية بعيدة المدى لاتكتفي بالاحتفالات الرمزية التي تقتصر على يوم واحد من السنة، بل تعمل على وضع رؤى طموحة لخطط إعادة بناء الاقتصاد الدولي دون تجاهل للنظم البيئية بالطريقة التي ساهمت في وصولنا الى ما نحن فيه اليوم، وتأخذ بعين الاعتبارتوصيات العلماء حول متطلبات التحول الى اقتصاد مستدام يصل بنا الى بر الأمان في المستقبل.

لقد أشار جلالة الملك عبدالله الثاني في مقابلته الأخيرة لقناة سي بي اس الأمريكية الى أن "الطبيعة تلقننا جميعا درسا قاسيا"، تبعه بسؤال للناس أجمع: "هل نحن كجنس بشري وكشعوب نملك الوعي الكافي لندرك أهمية الاستجابة بالطريقة الصحيحة لخدمة الإنسانية ونتأكد أن الجميع يتلقى الرعاية؟"، وهنا تكمن الدروس المرجو أن يتعلمها العالم من هذه المحنة: أولا، أن هذه الأوبئة تضع الجميع في "قارب واحد" الأمر الذي يحتم على الدول أن تضع خلافاتها جانبا، وتتعاون في ما بينها، وخاصة في مد يد العون لمن هم الأكثر حاجة لذلك، و في هذا مقاربة مهمة لطبيعة التنسيق الدولي المطلوب لمواجهة تحدي التغير المناخي المشترك، ثانيا، فاننا يجب أن نقف على الترابط بين تفشي الأوبئة الحيوانية المنشأ مثل "كورونا" المستجد، والممارسات الانسانية اللامسؤولة من الاتجار الغير مشروع بالأحياء البرية، وتقطيع الأشجار، والأنشطة الصناعية وأنظمة النقل التي تسبب مشكلة تلوث الهواء، وبالتالي تفاقم انتشارأوبئة الجهاز التنفسي مثل الكورونا، أما ثالثا، فهي قدرة البشر على تسخير الذكاء، والابتكار، والتكنولوجيا، والأبحاث العلمية لاعادة بناء أنظمة اقتصادية وتنموية أكثر مرونة، ومنعة، واستدامة في حال وجدت الارادة السياسية، وأطر التعاون الحقيقي لتحقيق لذلك.

يشهد العالم للأردن بنجاحه في الاستجابة السريعة والمرنة للأزمة حتى الان، وقدرته على تخفيض عدد الاصابات (تسوية المنحنى)، والفرصة متاحة ليستمرالأردن في تبوؤ مركز ريادي في خططه وبرامجه التنموية للمرحلتين المتوسطة وطويلة الأمد، فإلى جانب الاجماع حول أهمية الاستمرارية في دعم وتعزيز منظومة القطاع الصحي، فإن الأردن قادر أن يبني على الانجازات التي جعلت منه من الدول الرائدة في المنطقة في جذب المليارات من الدولارات من الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة، ووضع سياسات تحفيزية جعلت منه الدولة الأولى اقليميا من حيث عدد المركبات الكهربائية، وموطنا لأحد أكثر محطات التنقية كفاءة على مستوى العالم (محطة خربة السمرا)، وموئلا معروفا على الساحة الدولية للطيورالمهاجرة، وأول من أطلق سياسة للمناخ عام 2013 على مستوى المنطقة.

في هذا السياق، أعلن الاتحاد الأوروبي االتزامه بتطبيق "الصفقة الأوروبية الخضراء" التي تم اطلاقها في نهاية العام السابق والتأكيد عليها مجددا ضمن خطط التعافي الاقتصادي لأزمة "كورونا"، حيث تشمل الصفقة هدفا طموحا لتصبح أوروبا القارة الأولى التي تحقق "حيادية الكربون" في 2050 (بحيث تصل محصلة انبعاثاتها من الغازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري الى صفر اجمالي)، الى جانب هدفي فك الترابط بين النمو الاقتصادي والاستهلاك الغير مستدام للموارد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وقد رسمت الصفقة طبيعة البرامج المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف، والتي تشمل الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، وتعزيز الابتكار في القطاع الصناعي، والتحول لاقتصاد دائري، وتأمين وسائل نقل عام موثوقة، وزيادة كفاءة الطاقة في المباني، وتحييد مساهمة قطاع الطاقة في انبعاثات الكربون، واعادة تأهيل النظم الطبيعية، ومعالجة التلوث البيئي بأشكاله.

وعلى الرغم من شح موارد الطاقة والمياه، فإن الأردن لديه ما يكفي من العقول الذكية القادرة على تذليل هذه التحديات، والبناء على قصص النجاح في مختلف القطاعات، والاستراتيجيات والأطر التشريعية ذات العلاقة، لاعادة بناء اقتصاد معرفي يجعل منه مركزا للابتكار في مجالات الزراعة والطاقة والمياه (والترابط فيما بينها)، ومثالا لدولة تخطط وتنفذ المشاريع الاستراتيجية للتكيف مع تحدي التغير المناخي (خاصة في قطاعات الصحة والزراعة والمياه)، وتساهم في تحقيق تنمية منخفضة الكربون (خاصة في قطاعات الطاقة والنقل والنفايات)، وتجسد الشراكات الفاعلة بين دول العالم لتحقيق هذه الأهداف المشتركة، التي من المأمول ان تحقق التوازن المرجو بين الازدهار الانساني والحدود الطبيعية للأرض.

اضافة اعلان