ما بين النقد السياسي والمشاغبة العدمية

زيد نوايسة مهم جداً التفريق بين فكرة النقد للأداء الحكومي سواء من خلال السلطة التشريعية أو المؤسسات المنتخبة أو وسائل الاعلام الاحترافية؛ وبين الموقف العدمي الاتهامي الذي يبث السلبية والإحباط والذي لا يرى في البلد أي إيجابية يمكن البناء عليها بشكل مطلق أضحى مشكلة مزمنة؛ يخالطك الإحساس وأنت تتابع ما ينشر وبشكل منهجي في مواقع التواصل الاجتماعي بأننا في حالة انهيار تام للأسف، أو أنك تعيش في بلد اخر. لنتذكر دائماً أننا مجتمع كأي مجتمع في هذا الكون؛ لديه مشاكل ولديه احتياجات، وتواجهه تحديات وفيه سلبيات وفيه الكثير من الايجابيات وربما ميزات يسعى لها غيرها من المجتمعات سواء المحيطة بنا أو البعيدة؛ لسنا بالتأكيد مجتمعا يعيش ظروفا مثالية، ولكن الحالة السلبية والسوداوية التي تملأ الفضاء الافتراضي تفتقر للمحاكمة الموضوعية العاقلة. من البديهيات أنه من حق الناس أن يحلموا بالأفضل في كل مناحي الحياة، وأن يقفوا على كل تقصير رسمي ويؤشروا عليه دون مجاملة أو تردد، وأن يطالبوا بتحمل المسؤولية السياسية والقانونية في حال أدى هذا التقصير والاخلال بواجبات الوظيفة العامة لأضرار مادية وبشرية؛ لكن الخطورة هي أن نتعامل مع أي حدث عرضي مهما كان بسيطاً وعابراً قد يحدث بسبب أو بلا سبب في بلادنا وفي غيرها ضمن دائرة الاتهامية حتى لو كانت ممزوجة بالسخرية التي تتجاوز حدود اللياقة واحترام الناس وحفظ كراماتهم سواء كانوا اشخاصًا عاديين أو اعتباريين. البحث عن النجومية ومحاولة بناء الشعبوية سهلة جداً وطاغية هذه الأيام؛ كل ما في الامر هي نقد كل شيء وتصوير الأمور بأنها في حالة انهيار تام وأننا في طريقنا للفوضى مع إعطاء مساحة كبيرة لنظرية المؤامرة وتقسيم المجتمع بين فئتين تتأمر كل واحدة منها على الأخرى، تضخيم أي حدث والذهاب بعيداً في التفسير والتحليل ونسج العديد من الروايات التي لا تستند الا لمخيلة من يفكر فيها، والغريب أن من يبتدع هذا الروايات سرعان ما يصدقها ويتعامل معها كأنها حقيقة مطلقة. مئات حوادث السير التي تحدث كل يوم في المملكة كما يحدث في معظم بلاد الدنيا ولا أعتقد انها مرتبطة فقط بالظروف الاقتصادية او بارتفاع معدلات البطالة حتى يسهل علينا تحميل الحكومات المسؤولية؛ بل إن وجود هذا العدد الهائل من السيارات في بلد يصنف من البلدان محدودة الدخل يستدعى اثارة السؤال أيضاً، يوجد ما يقارب من أربعة ملايين سيارة مرخصة غير تلك التي تدخل مع العاملين في الخارج أو الزائرين في الصيف ويسكنه ما يقارب أحد عشر مليون انسان؛ وقد يتصادف أن يكون حادث السير مختلفا عن المعتاد كما حصل قبل أيام في منطقة المدينة الرياضية مع صهريج المياه العادمة، ولكن كل هذا لا يبرر موجة السخط والسخرية التي كانت حاضرة في احاديث عطلة العيد. مجتمعنا مجتمع متحضر وفي النهاية لن يستسلم ويقبل الاتهامات والتحليلات حتى لو كانت ممزوجة بالسخرية وروح الدعابة حينما لا تستند لدليل واقعي وملموس وهو بالتأكيد لن يقبلها خاصة إذا صدرت من بعض النخبة السياسية التي تروج لها في إطار المناكفة والمشاغبة السياسية التي أضحت ظاهرة مزعجة ومكشوفة وتستهلك من سمعة البلد ورصيده وتكرس حالة الإحباط واللامبالاة. المقال السابق للكاتب للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان