ما بين سطور المشهد الفلسطيني

في غمرة الربيع العربي، نأت حركة حماس بنفسها عن الموضوع السوري، لترفع أول مدماك في حاجز علاقاتها مع إيران. وجاءت زيارة أمير قطر لغزة بأمل أن ترفع المدماك الثاني، مسنودة بوصول الإخوان المسلمين في مصر إلى سدة الرئاسة، بعد وصولهم إلى مجلسي الشعب والشورى. وبينما كان الرئيس محمود عباس متعجلاً في مسعاه لدى الأمم المتحدة لقبول فلسطين عضواً مراقباً فيها في ظل تحفظ من "حماس"، بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة، وانتهى -بوساطة مصرية- إلى هدنة أحيطت بجهود دبلوماسية وإعلامية عربية غير مسبوقة، جعلت ما حدث انتصاراً فلسطينياً استراتيجياً.اضافة اعلان
تواصل المشهد بتراجع "حماس" عن تحفظها على خطوة الرئيس عباس الطلب من الأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين عضواً مراقباً فيها، ثم ترحيب الحركة بنجاح الخطوة لاحقاً. وكذلك ارتفاع وتيرة الحديث عن المصالحة الوطنية من قبل كل من "فتح" و"حماس"، وزيارة خالد مشعل لغزة، بموافقة إسرائيل، لحضور الاحتفال بالميلاد الخامس والعشرين لحماس، متزامناً مع الانتصار الحمساوي الذي بولغ في تعظيمه، وتصريح مشعل من غزة بأن "السلطة سلطتنا جميعاً، ومرجعيتنا هي منظمة التحرير الفلسطينية".
بعض فصول المشهد بدأت تخرج عن حدود السلطة وغزة بما نقل عن الرئيس عباس طلبه إلى قيادات من "فتح" الاستعداد للكونفدرالية بين الأردن ودولة فلسطين. وبينما لم تنف السلطة صراحة ما نقل عن عباس، برزت قيادات من "فتح" لتبدد آثار المفاجأة التي اعترت البعض مما نقل عن الرئيس عباس، وقالوها صراحة إن أمر الكونفدرالية ليس بالجديد، فقد كان مطروحاً منذ زمن، وثمة اتفاق أردني-فلسطيني على تأجيله بانتظار قيام دولة فلسطين، لأن الكونفدرالية لا تقوم إلا بين دولتين.
تسلسل الأحداث على هذا النحو خلال أشهر، يثير سؤالاً جوهرياً حول ما إذا كان تدخل القوى الدولية النافذة في الربيع العربي يعود في جزء منه إلى رغبتها في إيجاد حل للقضية الفلسطينية، مستعينة بأنظمة عربية تملك شرعية شعبية وشرعية عقيدية لا تقل أهمية عنها. وإذا ما نجحت المصالحة الفلسطينية خلال لقاء "حماس" و"فتح" الشهر المقبل في القاهرة، بعد طول إخفاق، فسوف يكون ذلك مؤشراً إضافياً يصب في ذات الاتجاه.
الاستمرار في الاتجاه الذي يسير فيه المشهد الفلسطيني قد يقود إلى احتمال قيام كونفدرالية أردنية-فلسطينية بحواضر البيت؛ أي مع دولة فلسطين وهي ما تزال عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، وربما مع فلسطين بعد أن يكون تم الاعتراف بها دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة قبل أيام من قيام الكونفدرالية، وبعد ذلك تتولى الدولة الفلسطينية الشريكة في الكونفدرالية مفاوضة إسرائيل على قضايا الوضع النهائي: حق العودة، والسيادة، والقدس، والحدود.
نسبة كبيرة من الأردنيين من أصول فلسطينية سوف يقبلون بقيام دولة فلسطينية، وبالكونفدرالية التي لولاها ما كان لدولتهم نيل اعتراف الأمم المتحدة. ونسبة كبيرة من الأردنيين من أصول شرقي النهر يتخوفون من الكونفدرالية، لأنهم يرونها مقدمة لدولة فدرالية يصبحون فيها أقلية، كما قد تكون عاملاً مساعداً لنسيان أو تناسي حق العودة مستقبلاً.
جواب الفلسطينيين على أشقائهم الأردنيين في موضوع الأغلبية والأقلية أن لا شيء يضير الأقلية العددية إذا ما كان نظام الحكم في الاتحاد سيصبح ديمقراطياً. وفي موضوع حق العودة فإن جوابهم أن لا أحد يمكن أن يراهن إطلاقاً على تنازل الفلسطينيين عن هذا الحق، وأن دولة الاتحاد سوف تصبح أقدر على تحقيق هدف حق العودة. لكن الأجدر بالاهتمام، بنظرنا، ليس هواجس الأردنيين ولا إجابات الفلسطينيين، وإنما حقيقة أن كلا الفريقين لا يملكان شيئاً في أمر قيام الكونفدرالية أو في عدم قيامها.

[email protected]