ما حدث خطير

سلامة الدرعاوي

انقطاع التيار الكهربائي عن كامل أراضي المملكة أمر خطير للغاية لم يسبق أن حدث على هذا المستوى خلال العقدين الماضيين على أقل تقدير، وما حدث ظهر يوم الجمعة يستدعي الوقوف على اسبابه بشكل اعمق مما خرجت به الحكومة في ايجازها الصحفي مساء ذلك اليوم.اضافة اعلان
الكُلّ يتفهم جيداً ان يحدث عطل فني على الشبكة الكهربائيّة يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي عن منزل او حي او شارع او قرية او حتى محافظة، فهذا قد يحدث في ظل اختلاف الأحمال الكهربائية على الشبكات، أما ان يحدث انقطاع كهربائي على مستوى دولة كاملة فهذا لا يحدث إلا في حالة واحدة وهي الحرب لا سمح الله، كالكويت في فترة الغزو العراقي، ولبنان بعد الحرب الاهلية والانهيار الاقتصاديّ، والعراق في السنوات الماضية بعد حروبه المختلفة، ولم يسبق لي شخصيا اني قرأت او سمعت عن انقطاع كهربائي شامل عن دولة حدث فيها، وكأن الأمر طبيعي، وإن كان موجودا في علم إدارة الكهرباء ومسلما به، لكنه لم يحدث بهذا الشكل أبداً على الإطلاق.
الغريب في الإيجاز الحكومي لشرح ما حدث يوم الجمعة من انقطاع شامل للكهرباء عن المملكة انه لم يجب على التساؤلات التي أدت الى مثل هذا الحدث الخطير، باعتبار ان الأمر يحتاج الى تحليل هندسي معمق، بمعنى ان الأمر فيه فنيات لا يمكن توضيحها او شرحها بالسرعة التي يريدها الشّارع، ويحتاج الموضوع إلى جهة تحقيقية لكشف ملابسات ما حدث.
لكن، فعلاً الأمر يحتاج إلى وقفة مراجعة حقيقية وصادقة وإجابات محددة تضع صانع القرار أمام الصورة الحقيقية للمشهد وما حدث.
فانقطاع التيار سببه الأساسي خلل فني على خط الغاز مع الشقيقة مصر، واذا كان هذا الأمر صحيحا فإن الخطورة تكمن هنا من عدة جوانب أولها البعد الاستراتيجيّ لعمليات الربط الكهربائي وأثرها على استقلال القرار الاقتصاديّ، لأن كل سلة الأمن الكهربائي باتت مرتبطة بتبعية كاملة للجوار، وبالتالي لا يوجد تنوع في تشغيل محطات توليد الكهرباء سوى بما يقدمه خط الغاز المصري.
النقطة الأخرى التي تحتاج لتوقف تام من الحكومة عندها هو عدم تأكيدها او توضيحها على ان ما حدث يوم الجمعة لن يتكرر مستقبلاً، فلم يسمع أحد من الحكومة شيئا من هذا القبيل، وترك الأمر على عموميته دون كشف السبب الحقيقي للانقطاع وما اذا كان سيتكرر او انه تمت السيطرة عليه فعلا وانهاء المشكلة بشكلٍ كامل من جذورها.
إذا كان موضوع الربط مع مصر قد سبب مشكلة فنية كبيرة مثل هذا الانقطاع، فإن المشروع برمته بات على المحك والتقييم، ولا يمكن للحكومة اذا ثبت ان الاساس في المشكلة هو في الخط المصري ان تستكمل مشروع الربط مع الجوار في العراق والسعودية كما يتم الحديث عنه بين الفترة والأخرى، لأن الأساس في عمليات الربط الإقليمي هو تحسين أداء وفعالية الشبكات الكهربائيّة واستدامة التيار وتقليل الكلف، لكن ان يتم الانقطاع الكامل عن دولة، فإن الموضوع بحاجة لمراجعة رشيدة.
أمن التزود بالطاقة هو جزء أساسي من استراتيجية الاستقرار الاقتصاديّ والأمني والسياسي للمملكة، ويتطلب الأمر تنوعا كبيرا في طبيعة هذه الإمدادات، ولا يمكن التهاون في هذه المسألة باعتبارها أمراً طبيعيا قد يحدث، لا بد من عمل المراجعة السليمة لما حدث وكشف اسبابه الفنية الحقيقية، ومن ثم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع تكرار هذا المشهد الخطير، وبشكل يحافظ على استقلالية قرار امن التزود بالطاقة، وإيجاد منظومة بدائل فورية لإيجاد حالة استثنائية تحدث لا سمح الله قد توثر على ذلك.
في النهاية كل التحية لكوادر شركة كهرباء الوطنيّة على ما قاموا به لاستعادة التيار في وقت قياسي، فليس سهلا ان تعيد الكهرباء بعد انقطاع كامل عن المملكة.