ما حدث في أفغانستان لن يبقى في أفغانستان

إذا اعتقدنا أن ما حدث في أفغانستان سيبقى في أفغانستان، نكون كمن لم يتعلم شيئا على مدى السنوات الثلاثين الماضية. وإذا ظننا أن طالبان تعلمت درسا، وتطورت سياسيا الى حد ما، ولذا فهي على الأرجح لن تكرر ما جرى سابقا، نكون كمن لا يدرك تعقيدات ظاهرة التطرف والإرهاب، وإنها تتشكل وتأخذ أنماطا عديدة مختلفة بحسب الظروف التي تمليها المرحلة. إذا كان هنالك شيء بتنا ندركه في مرحلة العولمة وما بعد الحرب الباردة، فهو أن التحديات والتهديدات داخل الدول لن تبقى داخل حدودها، وأن من حولها سيتأثر بها حكما، وأن هذه التأثيرات ستصل الى أصقاع العالم.اضافة اعلان
طالبان حتى وبعد أن تطورت قليلا، وتعلمت التفاوض والسياسة، تبقى حركة متشددة تتبنى فكرا متطرفا، وهذا سيجد له ترجمات اجتماعية وسياسية وأمنية مختلفة. لا يجب أن يتم خداع العالم بمحاولات طالبان الحالية أن تنسج سياسة خارجية طبيعية مع الدول والمحيط، فهذا أمر هي مضطرة له مرحليا، ولكن ما إن تستقر الأمور ويشتد عود طالبان، وتعبر مرحلة اللااستقرار الحالية، الأرجح أننا سنرى وجها آخر لأفغانستان طالبان، ونموذج التشدد الطالباني سيترجم لسياسات عدة ستشكل بمجملها تحديا للمجتمع الأفغاني وللعالم من حوله.
نحن في الشرق الأوسط، وفي العالم العربي بالتحديد، معنيون بما يحدث في أفغانستان، ومن منا لا يتذكر ظاهرة الأفغان العرب الذين شكلوا تحديا أمنيا وسياسيا لبلدانهم، الأردن كان منها. النموذج الأفغاني المتشدد، بزعامة طالبان، سوف يستقطب بعضا من الشباب العربي، الذين سيذهبون ينشدون العون والتدريب، وأن ينهلوا مزيدا من الفكر المتشدد الذي ينتمون إليه، وثمة بعض الأرقام والمشاهدات المقلقة حول البدء بالفعل لعمل ذلك من قبل شبان عرب وأردنيين. لا يكفي القبول بخطاب طالبان أنهم لن يكونوا حاضنة لأي تنظيم يهدد الآخرين، فيجب أن تؤخذ خطاباتهم ونواياهم بحذر شديد، لذا فالاحتياط الأمني والسياسي واجب وضرورة، ولا بد من تعاون إقليمي ودولي لمنع تصدير أو ترجمة التشدد والتطرف الطالباني الى تهديد أمني سيفرض نفسه على الدول.
روسيا والصين صاحبتا مسؤولية سياسية وأمنية كبيرة نظرا لملئهما الفراغ الذي تركه الانسحاب الأميركي، ولا بد من تعاون دولي من خلال هاتين الدولتين حتى يضمن العالم أن أفغانستان لن تعود لتكون مصدرا للتشدد والتطرف والإرهاب. ودول الشرق الأوسط العربية معنية بأن تنتبه كيف يحاكي شبابها ما يحدث في أفغانستان، وأن تراقب تدفق أي أموال لطالبان تحت أي عنوان كان، خاصة الخيري منه. ولتركيا دور أساسي كبير في مراقبة واحتواء ما يحدث، فآخر ما يريده العالم أن تتحول تركيا لنقطة عبور الشباب العربي لأفغانستان، كما حدث عندما كانت نقطة عبور وخاصرة أمنية سيئة في تدفق المقاتلين لداعش من أوروبا والعالم العربي عبر حدودها.