"ما في حدا أحسن من حدا"

سأبدأ بسلسبيل، الأم الصغيرة لطفل لم يتجاوز عمره عامين، اجتازت وبجدارة تفخر بها امتحان الثانوية العامة، واستطاعت وهي الزوجة الحديثة والأم المشغولة أن تكمل مشوار حلمها الجميل، وتجتاز عقدة الثانوية العامة بتفوق جعلها الأولى على فرع المعلوماتية على مستوى المملكة.اضافة اعلان
صورتها لطيفة جدا وهي تبتسم في "السيلفي" الذي التقطته في صالة بيتها، وخلفها رجال يبدو أنهم كانوا وراءها فعلا ووراء التمسك بأملها الصغير، أهلا وشريكا وعائلة زوج، كانوا سندها كما تقول في رحلة امتحاناتها وهي ربة المنزل حديثة العهد بالحياة الزوجية والتزاماتها اللانهائية. تمسكت سلسبيل الجادوري بتلابيب شغفها في الدراسة، وتمكنت من حل معضلة اللغة الانجليزية، بالمثابرة والتكرار والدعاء والسهر والتعب، لتحصد في بداية مشوارها القادم لقب الأولى بلا منازع، والكل يستمع لقصتها مشدوها معجبا. فالنجاح يمكن أن يكون حليفا للمثابرين الجادين. إنما أن تنتزع المرتبة الأولى من بين صفوف المقدمة، وتحت ظروف الأمومة الأولى ومتطلبات الارتباط الزوجي وما يلتحق به من التزامات، فهذا الذي يستحق أن يدعى بالإنجاز، الذي يميز الفرد عن الآخر، بدون النظر لأصله وفصله ومرتبته الاجتماعية والمهنية والتعليمية.
أما محمد المجالي، قصتنا الثانية الرائعة بكل تفاصيلها القديمة الجديدة، فقد رافقناه مذ كان مراهقا عنيدا يحمل ابتسامته العريضة أينما حل وارتحل. صاحبته "الغد" من أيام وسنوات طويلة حين كان أنموذجا للأمل والصبر، في رحلة مرضه وعلاجه الطويلة والصعبة، وهو ما يزال في سنوات صباه الأولى. ولطالما رافقته الزميلة غادة كامل الشيخ ضمن حملات التوعية والتقوية والداعية للحياة والنجاة بالأمل من مرض السرطان، الذي لم يرحم صغر سنه ولاحقه حتى اضطر إلى بتر ساقه، وهو لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره. أيامها لا أنسى صورته أبدا وهو في حجرة العمليات يبتسم للكاميرا مع رفع إشارة النصر، في رسالة ولا أقوى لليأس أن محمد المجالي سيقف له بالمرصاد، ولو بساق واحدة!
اليوم يحتفل محمد وأسرته بتفوقه الهائل وحصوله على معدل 93.1 % في الفرع العلمي، متحديا النهايات الحتمية النمطية لحكايات شبيهة ومتكررة، بدون أدنى عتب على أصحابها ممن لم يجدوا فرصا أكبر في الأمل.
هاتان قصتان وتلحقها عشرات التجارب المحكية والمخفية، تجعلنا نصدق فعلا أن لا أحد أفضل من أحد إلا بالإنجاز، وليس بالمباهاة والتعالي والغرور الذي يمكن أن يوصل صاحبه إلى هاوية الرسوب. وبالمناسبة لا تعني عشرات بل مئات قصص النجاح في الحياة، أنها كلها تستحق التقدير حتى لو أن الفرح والثبور يملأ المكان والصفحات والشاشات. ذلك أن الوسائل التي تؤدي إلى النجاح ليست جميعها سوية ومحترمة، في ظل معايير الأخلاق والقانون والمنطق. وهذا الدرس سوف يتعلمه الناجحون الصغار منذ اليوم الأول بعد انتهاء الدراسة، والخروج من أسوار المدارس إلى الطرقات والمباني والفضاء الرحب.
المهم، وعلى ذكر الإنجاز وارتباطه الوثيق بالتميز، فإن كاريكاتير المبدع والمميز الزميل ناصر الجعفري حول نتائج الثانوية العامة، اختصر الكلام عن الرجل المختلف، الدرس المحبب، الحكمة الثابتة، رجل المرحلة بامتياز الدكتور الطيب عمر الرزاز، والذي رسم صورته الجعفري مع عبارة "ناجح بتفوق".. وهو كذلك!