ما لم يعالجه قانون ضريبة الدخل المعدل

*محمد البشير        

بعد إقرار قانون ضريبة الدخل بصيغته النهائية عبر القنوات الدستورية اقتصرت التعديلات على الشكل وليس المضمون.اضافة اعلان
انعكاساً لصراع مصالح قوى؛ كان رأس المال صاحب الصوت الأقوى، لأن قوى الشعب المختلفة من أحزاب سياسية أو مؤسسات مجتمع مدني، كانت الغائب الأكبر في كافة مشاهد العرض رغم أنها صاحبة المصلحة الحقيقية في النضال من أجل تحقيق مصالحها خلافاً لمصالح قوى أخرى كانت دائماً مع تخفيض ضريبة الدخل ورفع لضريبة المبيعات.
حصة ضريبة الدخل من الإيرادات الضريبية المقدره لسنة 2015 بلغت (880) مليون دينار أي ما نسبته (20 %) من هذه الإيرادات وبنسبة (14 %) من الإيرادات المحلية المقدرة البالغة (6) مليارات و (280) مليون دينار.
أما ضريبة المبيعات المقدرة بمبلغ (3) مليارات دينار فقد بلغت نسبتها من الإيرادات الضريبية بحدود (69 %) ومن الإيرادات المحلية ما نسبته (48 %).
وبينما تشكل ضريبة المبيعات حصيلة بيع السلع والخدمات، فإن الجزء الأكبر من هذه التحصيلات تعود على الغالبية العظمى من الناس في حين أن تحصيلات ضريبة الدخل تأتي على دخول (ارباح) المكلفين سواء كانوا اشخاصاً طبيعين أو اشخاصاً معنويين، ومن هنا نستنتج كم هو الصراع كبيراً بين قوتين لصالح احدها ان يتم زيادة تحصيلات ضريبة المبيعات وبذات الوقت تقليص ضريبة الدخل خلافاً لما هو مطبق في الكثير من دول العالم المتقدم حيث تحتل ضريبة الدخل المكانة الأكبر في تحصيلات الخزينة تليها تحصيلات ضريبة المبيعات وهذا هو واقع الحال في أميركا، بريطانيا، كندا، اليابان، والكثير من الدول الغنية.
القانون المقر اخيراً وبسرعة البرق من مجلس الأعيان الذي راهن الجميع على دوره في عدالة هذا التشريع المهم بعد بطئ وصراع داخل مجلس النواب حمل في ثناياه الكثير من السياسات الضريبية الضارة من ناحية أمور عدة :
أولا : المساواة بين الشركات المساهمة وشركات الأشخاص (التضامن)
ان هذه المساواة فيها ظلم كبير يلحق الأذى بالطبقة الوسطى التي تمتلك ما يزيد على (90 %) من هذه الشركات التي يزيد عددها على (130) ألف شركة تتمثل في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
هذه الشركات التي عقدت ندوات ومؤتمرات وتم استضافة خبراء دوليين للحديث عنها، حيث اجمع المتحدثون على أهمية هذه الشركات في تحقيق التنمية التي ترمي اليها السياسات المالية.
ان الشركاء في هذه شركات الأشخاص يتحملون كافة التزاماتها خلافاً للمساهمين في الشركات المساهمة الذين يتحملون بحجم مساهمتهم فقط، كما انها تتكون في غالبيتها من اقارب واصدقاء وغالباً لا يتقاضى الشركاء العاملون فيها أية رواتب أو أجور كالشركات الاخرى، اعتماداً على الدخل المتأتي من عملها نهاية العام وبالنتيجة فإن معاملتها ومحاسبتها من خلال شركائها الاشخاص الطبيعين فيه عدالة وفيه تخفيف من الاعباء التي عادة ما تتحملها هذه الشركات.
ثانيا :  التهرب الضريبي
لم يعالج هذه القانون مسألة التهرب الضريبي من قبل فئات كثيرة، خلافاً لكل الاجتهادات والآراء التي تبلورت بعد الندوات والحلقات الحوارية حول مكافحة هذه الآفة، والمتعلقة بضرورة ان يكون القانون الوسيلة الناجعة للحد من حالات التهرب من دفع استحقاقات الخزينة من خلال شمول أكبر عدد من المكلفين بقانون الضريبة بالاضافة إلى توفير المعلومات الكافية لمحاسبة كل من يحصل على دخل من خلال ربط الاعفاء العائلي باحضار فواتير محررة من مقدمي الخدمات على وجه الخصوص حيث كنا نتأمل من مجلس الأمة أن يخفض مبلغ أعفاء الشخص الطبيعي من (12) ألف دينار إلى (6) آلاف دينار مثلاً وباقي المبالغ المتعلقة بالاعفاءات سواء كانت العائلية أو النفقات الاخرى ان تعزز بفواتير بواقع (16) ألف دينار.
وهنا فقط يصبح من صالح المكلفين ان يقدموا فواتير عن كافة المبالغ المدفوعة لمقدمي الخدمات الصحية أو العقارية أو المهنية الاخرى مما يوفر قاعدة معلومات واسعة عن دخول هؤلاء لدى الدائرة خاصة اذا عرفنا ان ما يزيد على (90 %) من الأردنيين لا تتجاوز دخولهم مبلغ (6) آلاف دينار في السنة وفق ما نشرته دائرة الاحصاءات العامة في آخر نشراتها.
ثالثا : النسب الضريبية على دخول الأفراد والأشخاص الاعتباريين
ان النسب الوارده في القانون المقر تنقصها العدالة من حيث أن القانون قد فرض نسباً تراوحت ما بين (7 % - 35 %) على دخل الأشخاص المكلفين.
هنا يأتي السؤال هل هناك عدالة باخضاع الافراد لنسبة قريبة من النسبة المفروضة على قطاع الصناعة مثلاً أو القطاعات الاخرى خاصة ونحن ندعو الأفراد إلى ضرورة الادخار والاستثمار وهل ان قدرة الافراد على الدفع تتوافق مع قدرة الأشخاص المعنويين على الدفع.
 يتكرر السؤال هل ما يتحمله الشخص الطبيعي في دفع (4) آلاف دينار على الثلاثين ألف دينار يتوازى مع من يدفع مبلغ (7.200) دينار على مبلغ ثلاثين ألف دينار الذي تحققه شركات الاتصالات والكهرباء والتعدين والتأمين والوساطة والمالية والتأجير التمويلي....الخ!!؟
ان الحكم للقارئ فيما اذا كانت هذه النسب وهذه الفئات تتوافق ونص الماده (111) من الدستور التي الزمت الحكومة بأن تكون الضرائب مستندة إلى ((مبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وان لا تتجاوز قدرة المكلفين على الاداء وحاجة الدولة للمال)).
رابعا : الدفع على حساب الضريبة (الاقتراض)
عزز القانون سياسة مالية غريبة على التشريع الضريبي، بعد ان فرض على المكلفين ان يدفعوا على حساب الضريبة المتوقعة مستقبلاً (2 %) على الاستيراد، (5 %) على مقدمي الخدمات و (40 %) من الضريبة المستحقة على نتائج أعمال الشركات النصفية مستنداً في ذلك الى فرضية ان المكلف سيحقق ربحاً لا محالة، رغم ان السنوات الماضية قد شهدت ارباحاً متواضعة للكثير من القطاعات عدا قطاعي البنوك وشركات الاتصالات ...الخ.
 الا أن الحكومة وثقلها الذي استخدمته داخل لجان مجلس الأمة أو اثناء التصويت على المواد أدى الى تعزيز هذا المبدأ غير المغطى بالدستور ابتداءً، بالاضافة الى ما يحمله من اعباء على المكلفين وخاصة المهنيين من جهة وفي اجبار المكلفين باقراض الخزينة قسراً من جهة أخرى.
خامسا : الضريبة المقطوعة
جدد القانون صلاحية المدير العام باخضاع المكلفين الذين تقل ضريبة الدخل على دخولهم عن ألف دينار الى الضريبة المقطوعة او اذا كانت اجمالي دخولهم لا تزيد على (100) ألف دينار.
وهذا يعني عدم جواز اخضاع قطاعات معروفة كالمقاولين وشركات الاسكان وغيرها لدى الجميع انها تحقق ارباحاً أكثر مما ورد اعلاه الى الضريبة المقطوعة ما دام القانون حدد الفئات المشمولة بهذا المبدأ دون جواز في التوسع مما قد يلحق الضرر بحقوق الخزينة.
سادسا : الغرامات
فرض القانون غرامة مقدارها (4) بالألف على المكلف الذي يتأخر عن دفع  الضريبة أو في حالة عدم توريده الاقتطاعات التي ألزم القانون المكلفين بها أو عند تحديد المدقق لفرق الضريبة المستحقة على المكلف بعد القرارات النهائية.
إن هذه الغرامة مبالغ فيها وتصل إلى نسبة (21 %) سنوياً والعدالة تقتضي أن تسري الغرامة بنسبة تتوافق مع أسعار الفوائد السائدة في السوق وان تُفرض وتُحتسب بعد ثلاثين يوماً من تاريخ تبليغ المكلف إشعاراً بالضريبة القطعية المستحقة عليه لا من تاريخ تقديم الإقرارات التي حددها هذا القانون.
سابعا : المحاسب والمحاسب القانوني
حملت الماده (67) المحاسب القانوني المسؤولية عن المصادقة على بيانات مالية غير مطابقة للواقع.....الخ ((أو عن اهمال جسيم...!؟)) هذه عبارة قابلة للاجتهاد والتفسير والتأويل ووجودها قد يسأ استخدامها وبالنتيجة تلحق الضرر بالمحاسبين القانونين مما يستوجب العمل على شطبها لوجود النص الوارد في مطلع الماده من حيث المصادقة على بيانات غير مطابقة للواقع بشكل جوهري.
اعطى القانون الحق للوزير بموجب المادة (70) وبتنسيب من المدير العام للدائرة وبتوصية من لجنة مكونة من الدائرة وديوان المحاسبة منع أي شخص طبيعي من مراجعة الدائرة اذا كان محاسباً أو محاسباً قانونياً لمدة لا تزيد على (3) سنوات، وهذا يعني ان الدائرة ولجنتها حلت محل القضاء في محاسبة المخالفين فالاصل تحويل مخالفي القانون الى القضاء اولاً ودائماً، كما ان المحاسب لا علاقة له باعداد بيانات مقبولة لدى الدائرة الا اذا كان المقصود المفوض من المكلفين وهذا قد ينطبق على المحامين مثلاً فلماذا تحديداً المحاسب، فالاصل ان تكون المادة على اطلاقها وان يُحّول كل من يقدم معلومات مخالفة للقانون الى القضاء ليقول كلمة الفصل.  
من المفيد التأكيد على ان الضريبة على الدخل هي الضريبة الأكثر تحقيقاً للعدالة فيما يخص المكلفين او ما يخص الخزينة وان مناقشة قانون ضريبة الدخل يجب ان يرتبط بمناقشة قانون ضريبة المبيعات فتخفيض النسب الضريبية على مبيعات السلع والخدمات واعفاء غالبية سلع الطبقة المتوسطة والدنيا سينعش الاقتصاد لان الطلب على هذه السلع سيرتفع، وان اخضاع دخول الاشخاص الى معدلات ضريبية متصاعدة فيه تعويض عن تخفيض ضريبة المبيعات وتوزيع عادل للثروة وتقليص حقيقي للفروقات في دخول الافراد.

* خبير إقتصادي