ما لم يقله عباس

في حواره المنشور في "الغد" أمس كشف الرئيس الفلسطيني بعضا من تفاصيل الضغط الأميركي على القيادة الفلسطينية لتقييد حركتها المتسارعة في اتجاه تحقيق الاعتراف الدولي الرسمي بالدولة، ليس في الأمم المتحدة فقط، ولكن في المنظمات الدولية التابعة لها كمنظمة اليونسكو. وأشار الرئيس محمود عباس إلى أن الخطاب الذي ألقاه في الأمم المتحدة في أيلول الماضي خضع لأكثر من مائة تعديل، ما يعني أن واشنطن جندت حلفاءها أيضا للضغط على الجانب الفلسطيني.اضافة اعلان
تحدث عباس بمرارة، ولم يستطع في هذا الحوار أن يتحدث بصراحة تحرج الإدارة الأميركية وتضعف حضورها المتراجع أصلا في الشارع العربي، ولا شك في أن لديه ما يبرر تحفظه في هذا الشأن انطلاقا من إدراكه لمصلحة شعبه وقضيته. فالولايات المتحدة ما تزال الطرف الوحيد القادر على توفير الرعاية والمظلة لأي تسوية سياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهي الجهة التي تمتلك نفوذا سياسيا طاغيا في عواصم صناعة القرار في المنطقة، وهي أيضا من يتحكم في اللجنة الرباعية الدولية ومبعوثها المتصهين توني بلير.. ورغم ذلك قال الرئيس إنه يرفض الانصياع لإرادة واشنطن رغم أنه يواجه ضغطا لا يحتمل.
تناول عباس عموميات الموقف الفلسطيني، ولم يشر إلى المواجهة الدبلوماسية بين القيادة الفلسطينية والإدارة الاميركية، وهي مواجهة عابرة للقارات تتجلى بعض صورها في الخطوات الأميركية الانفعالية، والنشاط العصبي لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي سبقت عباس إلى جمهورية الدومينيكان للضغط عليها كي لا تعلن التأييد للطلب الفلسطيني المقدم إلى مجلس الأمن، كما حرصت على أن تسبق زيارة الرئيس الفلسطيني لكولومبيا باتصال هاتفي مع الرئيس الكولومبي للتأكد من عدم خروجه عن المسار الأميركي – الاسرائيلي. وقد تلقى هذا الرئيس (المضغوط عليه) اتصالين شبيهين من المبعوث بلير ومن رئيس حكومة إسرائيل نتنياهو.
ما لم يقله الرئيس كان أبلغ في دلالاته السياسية، وهو ما يتعلق بالرد الأميركي على ما تعتبره واشنطن "تمرد القيادة الفلسطينية" وإصرارها على المضي في طلب اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية رغم الرفض الإسرائيلي الأميركي لهذا التوجه، فقد جاء قرار تجميد المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية كإجراء أولي تتبعه إجراءات أخرى ألمحت إليها هيلاري كلينتون في اتصالاتها مع عباس، كما هددت الولايات المتحدة بتجميد دفع حصتها من ميزانية اليونسكو عقابا لهذه المنظمة على اعترافها بفلسطين، وقد تواصل الضغط الأميركي على الجانب الفلسطيني لسحب طلب العضوية في اليونسكو، فسافر المبعوث الأميركي ديفيد هيل على عجل الى باريس ليلتقي الرئيس عباس ويطلب منه التراجع وسحب طلب العضوية، وكان مع هيل القنصل الأميركي في القدس الذي طار الى باريس لهذا الغرض. لكن الدبلوماسيين الأميركيين سمعا من عباس ما سمعته الوزيرة كلينتون.. "لا تراجع عن هذه الخطوة أيضا".
في ظل هذه الأجواء المشحونة في العلاقة بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأميركية يتم الاعلان المفاجئ عن التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، ما يعزز موقف الحركة الحاكمة في غزة في مواجهة السلطة القائمة في الضفة.
وفي ظل هذه الأجواء أيضا يسرب الجانب المصري معلومات عن لقاء مباشر في القاهرة بين أحمد الجعبري القائد العسكري لكتائب القسام التابعة لحماس وديفيد ميدان المستشار الأمني لرئيس الحكومة الإسرائيلية، ويؤكد المصريون أن اللقاء تم بضغط أميركي!
ما عرفناه مما لم يقله عباس يوشح المشهد بعلامات الاستفهام. وما لم نعرفه مما لن يقوله عباس ربما يحمل أجوبة لا نحب الكثير منها.