ما نفع صحافة خائفة..؟!

علاء الدين أبو زينة يسمونها «مهنة المتاعب»، لأن عمل الصحافة يقتضي أن تتصادم مع مختلف القوى من أجل قول الحقيقة التي ربما لا يحب الآخرون إعلانها أو سماعها. وهي تتواجد في النقاط الساخنة، وأماكن الحروب، والكوارث، والخطر. وهي تحقق، وتكشف الفساد والمعاملات المشبوهة، بما ينطوي عليه ذلك من إغضاب مختلف أنواع الأفراد الأقوياء ومراكز النفوذ. وعندما تكون الصحافة مسترخية، مُترفة وبلا متاعب، فإنها تكون أي شيء إلا الصحافة. «تسترخي» الصحافة في الوطن العربي، ليس لأنها عاجزة عن اجتراح رؤية ومشروع، وإنما لأنها في أغلبها ممنوعة من أن تكون لها رؤية أو مشروع مختلف. وفي الحقيقة، ليس واقع الصحافة السيئ مقتصراً على العالم العربي. حتى في الديمقراطيات الغربية، للصحف ولاءات وتقول «الحقيقة» التي يحددها ممولوها ورعاتها. ونسمع دائماً عن تعرض الصحفيين لمختلف أنواع الضغوط والمضايقات في العالم الذي تعرّفه صحافة الديمقراطيات بأنه النقيض الاستبدادي. لكنّ هذا كله لا يعني عدم توصيف الصحافة العربية بما هي، والتأكيد على الضرر الذي تلحقه أوضاعها بأي مشروع للتغيير التقدمي وتطوير الإنسان والمجتمعات. وربما تصلح سوية العمل الصحفي كمقياس صادق للحكم على جدية – أو عدم جدية- أي جهود للتطور والديمقراطية والإصلاح وحكم القانون وحقوق الإنسان. يقول موقع «مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة»: «يترتب على الصحفيين في العالم العربي التغلب على تحديات هائلة لدى تغطية القصص المتعلقة بحقوق الإنسان، وغالبًا ما يواجهون تهديدات بالقتل والسجن والطرد، ويتعرضون للابتزاز وعروض الرشاوى وغير ذلك بشكل يومي». وينقل الموقع عن صحفي من المنطقة قوله: «يشجع مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المزيد من التقارير حول حقوق الإنسان في جميع أنحاء المنطقة العربية. ولسوء الحظ ، فإن العديد من هؤلاء الصحفيين الذين تحدوا، من خلال كتاباتهم، القواعد الحالية وطالبوا بممارسة السلطة الرسمية بشكل عادل وإنساني تعرضت للترهيب وحتى القتل خلال العقود العديدة الماضية». وحتى ما سُمي «الصحافة البديلة» أو «صحافة المواطن» التي تم تصوّرها على أنها ترتاد مجالات أرحب للتعبير عن الرأي، لم تنجُ طويلاً قبل اعتقال السلطات الفضاء الإلكتروني الذي تنشط فيه. ويقول الكاتب جيسون رضائيان في «الواشنطن بوست»: «غالبًا ما تُستخدم القوانين الموضوعة ظاهريًا لحماية الأمن القومي، أو مكافحة الإرهاب، أو وقف المعلومات المضللة، لاستهداف الصحافة الناقدة والنشاط عبر الإنترنت -وقد أصبحت هذه ظاهرة عالمية. في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا، تم استخدام هذه القوانين بشكل متزايد لسجن الصحفيين وإسكاتهم. وأصبح حتى الإعجاب بمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي أو مشاركتها في بعض البلدان سببًا لاتهام المرء بالتحريض على الفتنة». إذا لم تكن الصحافة ناقدة، وإذا لم تستطيع حتى توصيف الحقائق المطروحة على قارعة الطريق، وإذا لم توسّع الآفاق المعرفية للناس أو توصل الناس لصُناع القرار، فما هي ولماذا هي؟ في الحقيقة، تُركت لها وظيفة وحيدة هي نقل «حقيقة» محددة سلفاً ومفروضة. وحتى إذا أتيح لها أن تعرف، فإنها ملزمة بالاحتفاظ بما تعرفه لنفسها. وإذا كانت تُعتبر في الأدبيات «سلطة رابعة»، فإنها أضعف السلطات جميعاً ومفروض عليها الخضوع لبقية السلطات. وفي طريق انحداري ومتراجع، تتسع مساحة المحرمات التي يُحظر على الصحافة الخوض فيها على حساب مساحة حريتها التي تضيق –كعنوان لضيق مساحة حرية المجتمعات. هذا الواقع الذي تعيشه – إذا كان توصيفه صحيحاً- هو أوضح أشكال تآمر العالم العربي على ذاته والتنكر العملي لأي خطاب يدّعي الرغبة في التقدُّم والإفلات من أغلال التخلف والتبعية. في الأصل، كان المفكرون الإصلاحيون ينشرون أفكارهم الهادفة إلى تغيير الوعي العام في الصحف، لأن محتواها أكثر كثافة وأسهل وصولاً إلى الجمهور من الكتب. وبقدر ما تنطوي على إمكانية تغيير العقلية الجمعية، فإنها قادرة على إيصال الاقتراحات والأفكار وإضاءة الزوايا لصانع القرار – إذا كان معنياً بالاطلاع على ما يجري بلا تزويق. وتستطيع الصحافة –إذا تحدثت بلسان الناس وقرأت السياسات- أن تكون صلة وصل مثالية للحوار بين الناس والسلطات والوصل إلى أرض وسطى وتوافق وطني. في الأصل، لا ينبغي أن يكون هناك عنوان محظور على الصحافة، إذا كان تناولها بناءً وملتزماً بالمنطق والحقيقة. وبغير ذلك تزدهر الدهاليز المعتمة وتغيم ملامح الطريق.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان