ما هو خيارنا؟!

ثمّة صحوة مهمة في التقارير الدولية الموضوعية التي تتحدث عن صمّام الأمان للمرحلة المقبلة في العالم العربي، في مواجهة سيناريو الانهيار والتشظي والفوضى والحروب الأهلية.اضافة اعلان
التقرير الأول المهم، صدر عن مؤسسة بروكينغز، للباحثة تمارا كوفمان. وتتحدث فيه عن ثلاثة نماذج تحاول الهيمنة على أنظمة الحكم في الشرق الأوسط؛ الأول، هو الديمقراطية الهشّة، كما هي الحال في تونس. والثاني، هو النمط الداعشي المتطرف. أمّا الثالث، فيتمثل في محاولة تجديد السلطوية (كما هي حال النظام المصري). وترى الباحثة أنّ الأسباب التي قادت إلى ثورات "الربيع العربي" في العام 2011، تتمثّل جوهرياً في أزمة الثقة بين الأنظمة والمجتمعات والشعوب.
وعلى الرغم من أنّ دولا عدة سقطت في براثن الحروب الأهلية، فإنّ الأغلبية الباقية ليست محصّنة. لذلك، فإنّ مستقبل دول المنطقة يعتمد على "نوعية الحكم" وكفاءته وفعاليته. وفي هذا السياق، فإنّ النظام الديمقراطي الليبرالي هو الأكفأ في تحقيق مطالب الشعوب، بينما إذا فشلت الدول في تطوير الحكم فإنّها ستكون أكثر عرضة للمشكلات الأمنية في المستقبل.
كذلك، فإن تقرير التنمية الإنسانية العربية الأخير، الذي أُطلق في بيروت قبل أيام (وكتبنا عنه سابقاً)، مخصص موضوعه عن الشباب العربي؛ لا تختلف رؤيته للمستقبل عن تقرير كوفمان. إذ وفقاً للتقرير الدولي، فإنّ معالجة أزمة الشباب، التي تمثّل "القنبلة الموقوتة" في العالم العربي (والتوصيف لكاتب هذه السطور)، تعتمد، عملياً، على بناء عقد اجتماعي جديد يكفل بيئة سياسية وخدماتية واقتصادية مغايرة عما هو قائم حالياً.
وفي تقرير آخر، صدر مؤخراً، لمجموعة عمل استراتيجية برئاسة كلّ من وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت (الديمقراطية)، ومستشار الأمن القومي السابق ستيفن هادلي (الجمهوري)، وأُطلق عليه اسم "تقرير أولبرايت-هادلي"، يوصي التقرير الإدارة الأميركية الجديدة بالربط بين الإرهاب ومسألة الإصلاح في العالم العربي. ويتحدث الخبيران عن ضرورة القيام بإصلاحات عميقة في العالم العربي وبناء عقد اجتماعي عصري جديد، يكرس المساءلة ويدمج الشرائح الاجتماعية في الحياة العامة، ويعزز المؤسسات المدنية ويحدّ من مشكلة الفساد المستشري. وأولوية الحكم الرشيد من المفترض أن تكون أولوية لضمان الأمن.
يختم التقرير بالقول: "الخيار واضح: وضع أساس لنظام جديد للشرعية السياسية، أو الاستسلام للأزمة التي لا تنتهي، ولعدم الاستقرار والإرهاب. فإما تمكين المواطنين أو مشاهدة السلطة تؤول إلى أيدي المجرمين والإرهابيين".
ولا تبتعد رؤية البنك الدولي لمستقبل منطقة الشرق الأوسط عن الإحداثيات السابقة. فالتوجه الجديد للبنك يتمثل في ربط برنامجه للإصلاحات المالية بالحاكمية الرشيدة والإصلاحات الإدارية والسياسية، وبناء صيغة لعقد اجتماعي جديد في المنطقة، بعدما توصّل خبراؤه إلى قناعة راسخة بأنّ المشكلات والأزمات الاقتصادية والمالية وحالة عدم الاستقرار، كل ذلك مرتبط جوهرياً بتعثر الإصلاح السياسي وبغياب الحاكمية الرشيدة. لذلك، من غير الممكن الحديث عن مواجهة الصعوبات المالية والاقتصادية من دون إصلاحات جوهرية في صميم "العقد الاجتماعي" العربي.
كذلك، في تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان الأخير، هناك فصل مهم جداً عن إشكالية العلاقة بين حماية حقوق الإنسان وصيانتها ومحاربة الإرهاب وحماية الأمن. إذ يضع التقرير محددات مهمة أساسية في ضبط هذه العلاقة لتكون في المسار الصحيح؛ فالحرية والديمقراطية هما السلاح الناجع لمحاربة الإرهاب، عبر إدماج الشباب في الحياة العامة وفي نشاطات سلمية.
في الخلاصة؛ هذه التقارير والتوصيات والرؤى المتنوعة الصادرة عن مؤسسات دولية وإقليمية ومحلية، اقتصادية وسياسية وحقوقية وتنموية، تؤكد على أنّ الإصلاحات الجوهرية والعميقة في البنى السياسية هي الشرط الرئيس للاستقرار والأمن والتفكير في مستقبل يتجاوز الكوارث المحيطة.