ما هي الخطوة التالية؟!

في الوقت الذي لم تتسرّب فيه تفاصيل الاجتماع المهم الذي عقد في واشنطن لقرابة 22 دولة تشارك في الحملة الراهنة ضد تنظيم "داعش" (بما فيها دول عربية)، تشرح لنا كيف تفكّر الولايات المتحدة في تجاوز العقبات الحالية وضعف مردود الضربات الجوية، إلاّ أنّ تقريراً مهماً لصحيفة "العربي الجديد" (أمس) نقل عن أحد القادة العسكريين المشاركين قوله إنّ الولايات المتحدة تتحدث عن حرب بريّة ضرورية لمواجهة التنظيم؛ لكن ليس بجنود أميركيين، بل بفرق عسكرية عربية. وهو الأمر الذي لم يكن يمتلك القادة العسكريون تفويضاً سياسياً من حكوماتهم بشأنه.اضافة اعلان
يبقى السؤال الأكثر أهمية اليوم عن الخطوة التالية في الحملة العسكرية الأميركية، التي لم تؤتِ ثماراً كبيرة لغاية الآن؟!
إلى الآن، تعجز الضربات الجوية عن إحداث تغيير استراتيجي في ميزان القوى، وما يزال أمام موضوع الحرب البريّة عقبات ومعضلات عديدة، أهمها عدم وجود القوة العسكرية المؤهلة لترجمة ذلك على الأرض، وخشية دول العالم المختلفة من الزجّ بجنودها في معارك مجهولة ضد عدو متمرّس وبيئة طائفية وسياسية معقّدة. كما أنّ إصرار الرئيس باراك أوباما على الالتزام بوعوده بعدم تعريض الجنود الأميركيين لحرب جديدة، يجعل من مهمة الإدارة الأميركية بإقناع باقي الحلفاء بالقيام بالمهمة بدلاً منها، أمراً في غاية الصعوبة وخارج نطاق المنطق!
مثل هذه المفارقات والثغرات والمعضلات، هي التي دفعت بالمسؤولين الأميركيين إلى خفض سقف التوقعات، ومطّ الأهداف المطلوبة إلى أعوام، والحديث عن معركة طويلة تتجنب الحرب البرية والخسائر، على قاعدة "بطيء جداً.. قليل جداً"، مع محاولة حصار "داعش" ومنعه من التقدم، واستنزافه على المدى البعيد.
وبالرغم من أنّ هذا البطء الشديد في التقدّم، وغياب الصورة الواضحة للنتائج المتوقعة للاستراتيجية الأميركية، قد دفعا بأحد كتّاب صحيفة "واشنطن بوست" (يوجين روبنسون) إلى وصف الحرب الراهنة بأنها فاشلة منذ الآن (في عموده قبل يومين)؛ إلاّ أنّ زميله ديفيد إغناتيوس، المحلل السياسي المعروف في الصحيفة نفسها، كتب أمس مقالاً يكشف فيه عن البنود الرئيسة للاستراتيجية الأميركية لهزيمة تنظيم "الدولة"، والتي رسمها جون آلن، المبعوث الخاص لأوباما، الذي عاد مؤخراً من الشرق الأوسط. وهذه الاستراتيجية لا تتضمن، على المدى القصير، أي اجتياح برّي من الخارج، بقدر ما تعتمد على القوات المحلية في كل من العراق وسورية.
جزء كبير من الاستراتيجية أصبح معلوماً. لكن هناك بعض القضايا والتفاصيل المهمة، مثل اقتناع المسؤولين الأميركيين أخيراً بالطلب التركي بإقامة منطقة حظر جوي آمنة على شريط حدودي بين سورية وتركيا، وزيادة عدد الطلعات الجوية من 10 يومياً إلى حدود 150-200 طلعة، والمسارعة في تدريب القوات العراقية وما يسمى الحرس الوطني السني (!) من أبناء العشائر في الأنبار والمناطق المختلفة، مع تدريب 10 آلاف مقاتل من الجيش الحرّ (في الأردن والسعودية وتركيا)، مع الإشارة إلى أنّه يعاني من ضعف شديد ويتطلب إعادة هيكلة كاملة.
يشير اغناتيوس، ضمن الخطة، إلى أنّ رسالة واضحة ذهبت لنظام الأسد، بمنع الاستفادة من أي فراغ سياسي نتيجة ضعف "داعش"، وبعدم استهداف "المعارضة المعتدلة" التي تمثل رهاناً أساسياً للحرب المفتوحة.
من الواضح أنّنا نتحدث عن حرب مختلفة، في تعقيداتها العسكرية والسياسية وطبيعتها، عن الحروب السابقة، وأنّها بالفعل ستأخذ وقتاً طويلاً، مع علامات استفهام كبرى على افتقادها للرؤية السياسية الموازية، والقراءة المعمّقة لما يحدث في الإقليم المجاور. ففي الوقت نفسه كان الحوثيون في اليمن يسيطرون على مدينة الحديدة بسهولة بالغة، كما أن الحرب الداخلية الليبية تستعر!