ما هي قصة "التغطية الصحية الشاملة"؟!

حتى الأمس كان الشعار الأبدي المطروح هو التأمين الصحي الشامل. وهو شعار مفهوم. لكن أمس ظهر مصطلح "التغطية الصحية الشاملة"، وتابعت مقابلة معالي الوزير مع قناة المملكة على هامش "اللقاء التشاوري لوزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية - خطوات عملية نحو الوصول للتغطية الصحية الشاملة"، وكان تحت رعاية رئيس الوزراء بمشاركة فاعليات وطنية معنية بالقطاع الصحي. لكن معالي الوزير لم ينجح في توضيح الموقف جيدا، وليس ذنبه لأن الشعار الجديد نفسه هو من الشعارات السحابية التي طرحتها منظمة الصحة العالمية ضمن إطار "الخطة العالمية للأمم المتحدة لتحقيق التنمية المستدامة 2030" وتولت المكاتب الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية متابعة هذه الرؤية الخاصة بالقطاع الصحي، ووقع وزير الصحة السابق في تموز الماضي "ميثاق شراكة للتغطية الصحية الشاملة" مع المنظمة. وتمكن المدير الإقليمي لشرق المتوسط، وهو من عمان واستشاري في طب الأسرة وقد انتخب لهذا المنصب قبل ذلك بثلاثة أشهر فقط، من تحقيق سبق بتوقيع دول الإقليم قبل غيرها على وثيقة التزام بشأن "التغطية الصحية الشاملة" في مؤتمر في صلالة – سلطنة عمان في أيلول في إطار رؤية 2019 – 2023 لدول الإقليم.اضافة اعلان
واقع الحال أن هذا الشعار يختلف عن التأمين الصحي الشامل الذي يعني شيئا محددا هو شمول جميع المواطنين غير المؤمنين بالتأمين الصحي الحكومي، وهم بالطبع يجب أن يدفعوا اشتراكا قد يتفاوت حسب نوع التأمين كما هو للقطاع العام، مع العلم أن غير القادرين يستطيعون الآن عمل اشتراك بالتأمين الصحي الحكومي وكذلك جميع الأفراد فوق سن الستين، ولم أفهم أبدا لماذا ترددت الحكومات كل هذا الوقت وكنت أسمع كل مرة من هذا الوزير أو ذاك عن دراسات اكتوارية قيد الإجراء قبل القرار لتقدير الكلفة أو أفكار حول الصيغة المحتملة مثل إنشاء مؤسسة مستقلة للتأمين الصحي وهكذا دون الوصول أبدا إلى قرار مع يقيني أن الكلفة ما كانت لتزيد عما كان يدفع للإعفاءات من خلال الديوان الملكي ورئاسة الوزراء وقد بلغت قبل ثلاثة أعوام ما يقارب 220 مليون دينار.
وزير الصحة د. غازي الزبن شخص عملي وأخذ قرارات كانت تبيت شهورا في الأدراج، ولاحظنا جميعا تحركه في عدة ملفات شائكة ونقدر أنه لا يمكن حلها بين يوم وليلة خصوصا أن المقترحات خلافية وخذ مثلا السماح لأطباء الصحة بمزاولة العمل الخاص بعد الدوام! أنا أجد نفسي متحمسا ومتخوفا في نفس الوقت إزاء هكذا قرار جريء؟! وأمس عقد جلالة الملك لقاء بشأن السياحة العلاجية بعد أن يئس كما يبدو من إنجاز المعنيين لشيء على مدار عام مضى ونحن نرى التدهور المحزن لهذه السياحة، وخذ بالمقابل ما تفعله تركيا حيث زراعة الشعر وحدها تحقق دخلا ربما أكثر من كامل دخل السياحة عندنا.
المهم أن التغطية الصحية الشاملة في القرار العملي لا تعني شيئا محددا غير التنظير المعهود في منظمات الأمم المتحدة وكما عرفها الأمين العام للمنظمة "أن يكون لدى كل فرد إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية التي يحتاج إليها، دون التعرض لضائقة مالية" وأن تقدم حزمة أساسية من الخدمات الصحية للجميع، لكننا عمليا سنعود لنواجه نفس التحديات والمعيقات وجدلية الخيارات ومنها موضوع التأمين الصحي الشامل الذي لا نريد أن يستبدله الوزير بمشروع التغطية الصحية الشاملة وهي لا تعني شيئا ملموسا إلا، ربما، كسب بعض الدعم الدولي للمشاريع الصحية بما في ذلك تغطية غير الأردنيين.