ما يجري عندهم وعندنا

أعجبتني المفارقة والمقاربة في جملتين سمعتهما الأسبوع الماضي من سيدتين. الأولى "ليانا كانيللي" وهي نائبه شيوعية معارضة في البرلمان اليوناني، والتي قالت لقناة الجزيرة الدولية "إن ما يجري من تطورات في بلادنا يخالف تماماً ما يجري في الربيع العربي". والجملة الأخرى قالتها الوزيرة السابقة والناجحة هالة بسيسو لطوف "إنهم يحتجون في العالم على الديمقراطية الغربية، وبعضنا هنا يثور مطالباً بها، نحن بحاجة الى نموذجنا الخاص بنا".اضافة اعلان
أتفق مع السيدتين الفاضلتين. فالناس في اليونان وإيطاليا وحتى شارع "وول ستريت" بعاصمة المال نيويورك يخرجون محتجين على نتاج الديمقراطية الغربية وما أفرزته من نظام رأسمالي.
 ويسجل هذا النموذج في الوقت الحاضر انتكاسة خطيرة؛ فقد فشل نظامه التوزيعي، وأفرز ظلماً وفقراً وجريمة. وتبين أن قوى التوازن الكامنة فيه والتي تحدث عنها "كينيث جالبريث" الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد قد طُوِّعَت وَدُجِّنَت، وأن معظم الرأسماليين الموصوفين بالإبداع هم في الواقع أناس جشعون ولا حدود لطمعهم وفسادهم.
ولكن للإنصاف، فإن مشاكل اليونان وايطاليا ليست ناجمة فقط عن عجز النظام الرأسمالي فيهما. بل هما ضحيتان من ضحايا فساد رأس المال من ناحية، وتهالك الناس والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني على أخذ مزايا لأعضائها بدون تقديم المقابل. ولو كانت هذه الدول مكونة من قناطير مقنطرة من الذهب والفضة لأفلست. لقد تآمر على اقتصاداتها رأس المال من ناحية، والمؤسسات الاجتماعية والمبالغة في الأعطيات والكسل وقلة الانتاج والإنتاجية من ناحية أخرى.
ولقد بقي الطرفان في حالة مصالحة طالما أنهما يكسبان من الوضع. ولكن عندما تدهورت الأمور، ووقع المحظور، سارع الكل إلى رقاب الكل سعياً وراء تقليل الخسائر، وإلقاء اللوم على الآخرين.
وسوف تضطر كل من اليونان وايطاليا الى الانصياع لأوامر الدائنين وأصحاب رؤوس الأموال الفائضة، شاءوا أم أبوا. ولقد تغيرت الحكومتان المنتخبتان ديمقراطياً في كلا البلدين، واستبدلتا بحكومتي تكنوقراط، ومن خبراء ومختصين يرجو عامة الناس أن يكونوا الأقوياء الأمناء.
أما نحن في الوطن العربي، فحالتنا ليست بعيدة عن ذلك. ففي مصر تحالف النظام السابق مع الرأسمال الذي لا يشبع، على حساب عامة الناس فثار الناس. وفي سورية كنا نرى تحالف النظام مع رأسماليي دمشق وحلب الصامتين الآن، حتى ثار الناس. ونفس الحكاية في تونس، وليبيا، واليمن. لقد امتص أهل النظام إمكانات النظام حتى صاروا ضحاياه.
نعم نحن بحاجة الى اجتراح الحلول، والبحث عن أسس ديمقراطية وإصلاحية الهدف منها في نهاية الأمر توزيع المكاسب والتضحيات، الحقوق والواجبات، الغُرم والغُنم، بعدالة بين جميع الناس افقياً ورأسياً.
علينا أن نفهم ما جرى عند الآخرين، وأن نتعظ منهم. وصدق الملك عبدالله أهله ومشاهديه عبر العالم حين قال لمحطة الـ (بي بي سي) إن عام (2012) غامض، وربما يكون مليئاً بالمفاجآت. ولكننا إن اخترنا الطريق الصحيح وسرنا عليه، فسنبقى في عين العاصفة، حيث مركزها وأكثر نقطة أمان فيها.
يسمون ما يجري في أوروبا بالعدوى (كونتاجيون)، ويسمون ما يجري عندنا بالربيع، هو ربيع لمن يتمتع بعين الرضا، وعدوى لمن له عين السخط. رضي الله عنا وأرضانا بإذن الله.

[email protected]