ما يحتاجه الأسرى الفلسطينيون..!

لا أعرف إذا كان هناك شعب آخر على الكرة الأرضية يحيي سنوياً مناسبة لأسراه الذين ما يزالون في السجون بتهمة غريبة: مقاومة الاحتلال. لكن تجربة الألم الفلسطيني فريدة في كل شيء. فمن أيام العثمانيين وتجنيد أبناء الفلسطينيين قسرا للقتال من أجل قضية لا تعنيهم، إلى النضال المضني ضد الاستعمار البريطاني الوحشي، إلى هذه العقود الطويلة من الصراع مع احتلال دموي لا يرحم، ليست هناك عائلة فلسطينية تقريباً لم تختبر اعتقال أحد أبنائها على الأقل في وقت ما أو مكان ما.اضافة اعلان
إذا لم يكن الفلسطيني أسيراً في سجن مادي لدى الاحتلال، فإنه يعيش يومياً خبرة الوقوف على الحواجز والتفتيش والإذلال، ويتحرك في أضيق الأطر الممكنة، مجرداً من معظم الحريات الإنسانية. وإذا كان الفلسطيني في المنافي، فإنه عرضة للتوقيف في المطارات والحدود، أو العيش في مخيم لا يختلف كثيراً عن السجن، أو الاعتقال حيث لجأ لمجرد المجاهرة بالدفاع عن قضيته أو نشُط في شيء لنصرتها. وإذا نجا من هذا وذاك، فإنه أسير أبدي لفكرة اللاطبيعية، باعتباره منفياً من الكرة الأرضية كلها وليس مواطناً حقيقياً لأي شيء، بلا بلد آمن له حدود وأرض وسماء وعلَم وطني يرتفع بحرية.
يعود يوم الأسير الفلسطيني غداً وما تزال آفاق تقدم الفلسطينيين في اتجاه الحرية مغلقة. ومن السيء بما يكفي أن لا يرى سجناء الحرية تقدماً لقضية الحرية. وحقهم على الشعب الذي ضحوا من أجله بحريتهم أن يظهر لهم كيف أنهم ليسوا وحدهم عملياً، وليس خطابياً واحتفالياً. وفي الحقيقة، مهما بدت حركة التحرر الوطني الفلسطيني مأزومة وفاقدة للوجهة، فإن مجرد انضمام أسرى آخرين إلى مواطنيهم في سجون الاحتلال على أساس يومي بتهمة المقاومة، يعني أن المقاومة الفلسطينية لا تتوقف، ولو أنه يعوزها الزخم.
من المؤكد أن حرية الفلسطينيين، الأسرى جميعاً بطرق مختلفة، ستأتي فقط حين يستطيعون أن يتنفسوا بحرية في فضاء آمن يخصهم وحدهم مثل باقي الشعوب. لكن جزءاً من تجسيدات الحرية النسبية للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال كان إخراجهم من السجن المادي. وفي كل المرات تقريباً، لم يأتِ إطلاق سراحهم نتيجة لتفاهمات سياسية مع كيان الاحتلال، وإنما نتيجة لعمل من أعمال المقاومة، والذي أتاح أسر جنود للاحتلال ومبادلتهم بعد ذلك بأسرى فلسطينيين. ومع ذلك، وحتى لو تحرر الأسرى الفلسطينيون بالمبادلة، فإنهم يخرجون غالباً إلى سجن أوسع قليلاً فقط، حيث يظلون موضوعاً للملاحقة والتضييق، وحتى الاغتيال.
ماذا يجب أن يفعل الفلسطينيون من أجل حرية أسراهم؟ لا شك أن تخصيص يومٍ سنوي لإثارة قضية الأسرى يفيد على صعيد إظهار التضامن الوطني أولاً، وعلى أساس لفت الانتباه العالمي إلى معاناة المقاوِمين الفلسطينيين في سجون الاحتلال وشرح قضية المقاومة التي سجنوا لأجلها. لكن قضية الأسرى هي جزء فقط من تداعيات التجربة الفلسطينية مع الاحتلال والتشريد ومصادرة الحقوق. وسوف تحل مسألة الأسرى فقط في سياق حمل القضية الفلسطينية إلى مكان يمكن أن تعاود منه مسيرها التقدمي بزخم يُعتد به.
من المفارقات أن وصفات حرية الفلسطينيين تأتي من منظري المعسكر المقابل. ومع أن هؤلاء ينطلقون غالباً من حرصهم على ديمومة دولة الكيان، فإنهم يقولون الشيء نفسه دائماً، بطرق مختلفة. ودائما تكون الوصفة هي التحلل من وهم السلام على أساس حسن نية العدو، وتصعيد المقاومة الفلسطينية كمتطب ضروري، بما يكفي للضغط على "إسرائيل" وإجبارها على تقديم التنازلات. ومن ذلك ما كتبه مؤخراً هنري سيغمان، الرئيس السابق لهيئة المؤتمر اليهودي الأميركي ومجلس كنيس أميركا:
"إذا لم يأت الضغط الكافي على إسرائيل لتنهي الاحتلال (...) من الولايات المتحدة، فإنه يمكن أن يأتي فقط من الفلسطينيين أنفسهم، عندما يتصرفون أخيراً وفقاً للحقيقة المرة: أن السلطة الفلسطينية، مع كل الأشياء الجيدة التي ربما تكون قد فعلتها، تحولت على يد المحتلين (...) من أداة يفترض أن تجلب الدولة، إلى أداة للإخضاع الدائم للفلسطينيين. سيكون فقط عندما يغلق الفلسطينيون هذا الملف ويتحولون إلى تبني نهج للنضال اللاعنفي من أجل حقوقهم، حين يعود خيار الدولتين إلى الظهور". أو النضال المؤلم من أجل الحقوق أيضاً، في دولة واحدة بنظام "أبارتايد"، حسب سيغمان.