ما يخشاه المستثمر

د. خليف الخوالدة ندرك تماما أن الحكومة وأي حكومة تواجه تحديات كبيرة والخيارات أمامها محدودة وتضطر أحيانا كثيرة إلى تبني الخيار الذي يرافقه أقل الأضرار. المستثمر الحالي يواجه عدة تحديات تجعله يتردد في التوسع في استثماره وكذلك المستثمر المحتمل يتردد في اتخاذ قراره بالاستثمار لاعتبارات بعضها انطباعية وبعضها موضوعية محقة. سأتناول هنا الاعتبارات الموضوعية التي يجب معالجتها دون تأخير. أول هذه الاعتبارات تغير الأولويات والاهتمامات، وهذا ينعكس على مختلف القطاعات مما يرفع منسوب الإحساس بالمخاطرة والتردد لدى من ينوي الاستثمار أو التوسع في الاستثمار. ثاني هذه الاعتبارات الخوف من أن تغير المسؤولين قد يؤدي إلى تغيير في السياسات والإجراءات التحفيزية وبالتالي ما الضمان لهم من عدم تغييرها أو التراجع عنها، فما يهمهم ثباتها واستقرارها حتى لو كان نسيبا وحسب الاتفاق. ثالث هذه الاعتبارات أن التفعيل والتطبيق الفعلي لهذه السياسات والإجراءات التحفيزية يعتمد على قدرة وقوة المسؤولين عنها، وتغيرهم قد يعرضها للمد والجزر خصوصا عندما لا يكونون بنفس السوية من حيث التمكن والتأثير. رابع هذه الاعتبارات قد يكون اهتمام المسؤولين على اشده في البدايات بهدف استقطاب المستثمرين ولكن للأسف في حالات كثيرة ما يلبث أن يتراجع هذا الاهتمام مجرد البدء بتنفيذ الاستثمار، ففي البدايات المسؤولون هم من يبادر ويتابع المستثمرين ويحاولون تذليل أي عقبات ولكن للأسف هذا الاهتمام يفتر ويصبح المستثمر هو من يبحث عن المسؤول وكأن الهدف يتحقق مجرد تسجيل الاستثمار غير مدركين اهمية رعاية الاستثمار على المدى الطويل والذي يرتبط بما تجنيه الخزينة العامة من ايرادات سنوية ومستمرة من رسوم وضرائب وغيرها والأهم من ذلك تحريك لعجلة الاقتصاد وتشغيل لمختلف القطاعات وخلق لفرص العمل. ليس من مصلحتنا في شيء أن يكون الاهتمام بالأثر الفوري اللحظي المحدود مسيطرا مقابل الاهمال أو عدم الاهتمام بنفس الدرجة بالأثر الشمولي المستدام. مرة أخرى، الخيارات امام الحكومة وأي حكومة قليلة ولذلك تلجأ دائما للمعالجات المرحلية وإدارة الموازنات بشكل سنوي وبشق الأنفس من خلال الحرص على توفير وبأي طريقة مصادر لتمويل الانفاق. صحيح أن هذا النهج يعالج التحديات المرحلية والسنوية ولكنه للأسف يفاقم التشوهات ويولد المزيد من المعيقات ويجعل الحكومات كل مرة تبحث عن معالجات مرحلية بدلا من الحلول الدائمة. لا ينتهي هذا المسلسل من المعالجات المرحلية ودعوني أقول القيصرية ما لم نتجرع جميعا مرارة الحلول الشافية ونتحمل لمدة عامين نتخذ خلالها حلولا دائمة. وبعد ذلك، فحركة الاقتصاد كفيلة بالقضاء على التحديات والفجوات والتشوهات تلقائيا حتى لو كان بشكل تدرجي لكنها حلول مستدامة تكفينا شر السلسلة غير المنتهية من الترقيعات السنوية وسيناريو خذ وهات. لا بد من الوقف التام لمسلسل المعالجات المرحلية والتوجه بحزم إلى تبني سياسات مجدية تنهض بالاقتصاد، ولكن هذا يتطلب ضبط الانفاق تماما والصبر والتحمل خلال فترة انتقالية حتى نبدأ نلمس عوائد هذه السياسات. صدقوني أن ندفع تكلفة تبنينا للحلول الدائمة مرة واحدة أوفر علينا كثيرا اقتصاديا واجتماعيا وامنيا من الحلول المرحلية المتكررة التي قد تساهم في ضبط الأمور من جهة ولكنها بلا شك تفاقمها من جهة أخرى. وبعد كل مرة نجد التحديات في ازدياد واشتداد. وأخيرا أقول إن قراءة وتحليل وتشخيص الشأن الوطني العام لا يصح ابدا أن يتم على محاور معينة دون غيرها ولا التعامل مع ذلك بالقطعة أو المحور وبمعزل عن السياق العام، فالتحليل الشمولي يقود إلى حلول شمولية متزنة تضبط التوجهات والخطوات. وهذا بالنهاية يضبط الايقاع ويوجه التحرك العام وبالتالي يضاعف ويجود النتاج. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان