مبادرات خيرية فردية تدعم أسرا محتاجة

ينبغي أن يكون الإنسان دائما متكاتفا مع الآخرين ويحب القيام بالخير - (ارشيفية)
ينبغي أن يكون الإنسان دائما متكاتفا مع الآخرين ويحب القيام بالخير - (ارشيفية)

منى أبوحمور

عمان-حرقة كبيرة وغصة مؤلمة شعرت بهما الثلاثينية شذى محمد عند ذهابها إلى مدرسة بناتها لتتفاجأ بزميلات بناتها في الصف يلبسن ما رق من الثياب يكاد يحميهن من برد الشتاء.
“لم أكن أعلم أن هناك عائلات فقيرة ومستورة تعاني العوز لهذه الدرجة”، إلا أن الحرقة التي أصابت شذى بعد رؤيتها لأولئك الطالبات دفعتها لسؤال مديرة المدرسة التي بدورها شرحت لها الحال المتردي الذي تعاني منه فتيات تلك الأسرة اللواتي تخلى عنهن والدهن بعد زواجه من أخرى.
“خمس بنات وفي أعمار مختلفة يرتدن المدرسة مشيا على الأقدام وفي أيام الشتاء والبرد الشديد بدون معطف أو حتى حذاء يقي أقدامهن من الماء والهواء، يسكتن جوع معدهن الفارغة بقطعة خبز جافة ولا يحملن في جيوبهن خمسة قروش”، هكذا وصفت شذى حالهن.
وتستهجن شذى قساوة قلب الأب الذي رمى أسرته لأم تعمل عاملة نظافة في أحد المستشفيات لا تجني سوى مبلغ صغير لا يسد إيجار البيت والكهرباء والماء ومتطلبات المنزل.
تلك التفاصيل كانت دافعا لشذى لتتصل بكل من تعرفه، آخذة على عاتقها مسؤولية كسوة هؤلاء البنات وتقديم المساعدة لهن بهمة أهل الخير، وفق قولها.
القصص الموجعة كثيرة والناس المحتاجة تكاد تكون في كل مكان، هكذا يقول الخمسيني أسعد البيطار الذي يتألم كل يوم عند مروره بأحد الأحياء أثناء ذهابه إلى المنزل ليتكرر مشهد تلك العائلة التي تسكن منزلا بلا شبابيك وتحت سقف من الزينكو.
هذا المشهد المتكرر كان هو شرارة تلك المبادرة الفردية التي قام بها البيطار، الذي اعتبر أن هذا البيت هو من مسؤوليته كونه يمر من جانبه دائما، فبدأ من أسرته الصغيرة لتمتد تلك المبادرة وتشمل العمل.
ولم يكتف البيطار بتلك المساعدات التي قدمها البعض من أسرته وزملائه في العمل، فما كان منه إلا أن قام بطلب المساعدة من أصدقائه عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” وجعل توصيل المساعدات لتلك الأسرة مهمته الشخصية.
من جهته، يشير اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، إلى أن بحث الناس عن فرصة لفعل الخير إنما هو انعكاس للقيم الأخلاقية والشعور بالمسؤولية، لافتا إلى ضرورة أن يكون الإنسان دائما متكاتفا مع الآخرين ويحب القيام بالخير.
ويضيف الخزاعي أن اهتمام الناس بالخير ينبع دائما من شعور الإنسان الداخلي بواجبه بتقديم الخدمات للآخرين فيقوم بمشاركتهم في اللباس والطعام، الأمر الذي يخلق لديه شعورا بالارتياح والتحسن.
ويبين أن ثمار فعل الخير لا يحصدها فاعل الخير فحسب؛ حيث تشعر مثل هذه السلوكيات الأشخاص المحتاجين بأن هناك من يهتم بهم ويشعر بهم، كما أنها تصفي القلوب وتقوي العلاقات المجتمعية والنسيج المجتمعي.
ويختلف الناس، وفق الخزاعي، في طرق تقديمهم للخير؛ فمنهم من يميل إلى القيام بذلك بشكل شخصي بدون أن يعلن عن نيته بتقديم الخير، حتى لا يشعر الآخرين بالخجل أو “الجميلة” وآخرون يقومون بتشكيل مبادرات جماعية ضمن محيط الأسرة أو الحي أو العشيرة يقدمون من خلالها المساعدات النقدية والعينية للأسر المحتاجة.
ويشيد الخزاعي بمثل هذه المبادرات الفردية ويشدد على دور الأهل في تربية أبنائهم على الإحساس بالمسؤولية تجاه هذه الفئة من الناس وغرس حب المساعدة في نفوسهم منذ الصغر.
أما الأربعينية منى صالح، فما إن تسمع عن أحد يرغب بفعل الخير أو تقديم مساعدة حتى سارعت بالاتصال به وإرشاده لعائلة مستورة ومحتاجة وتذكير للناس المكتفين بأن هناك من يبحث عن كسرة خبر لسد جوعهم.
“قدمنا المساعدات العينية والمادية للكثير من العائلات ونتمنى أن يكون هناك من يرغب بفعل الخير”، تقول منى، لافتة إلى أنه ورغم وجود الكثير من الناس الذين يرغبون بتقديم الخير، إلا أن الفقراء والمحتاجين يفوقونهم بأضعاف مضاعفة.
وتتابع “الجمعيات الخيرية لا تستطيع أن تغطي جميع العائلات وهناك من هم بأمس الحاجة إلى الشعور بالشبع، الدفء وحتى الارتواء، إلا أن فقرهم وعوزهم ينغص عليهم حياتهم ويسرف منهم حتى الشعور بالأمان”.
من جهته، يشير اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة إلى أهمية مثل هذه المبادرات سواء كانت فردية أو جماعية وأثرها الإيجابي على نفسية المجتمع، لافتا إلى وجود العديد من الأشخاص الذين يحبون فعل الخير ويقدمون المساعدة للأسر المحتاجة والفقيرة.
وينوه مطارنة إلى أن الحاجة ليست وليدة الملاحظة فحسب، بل هناك جمعيات ومراكز وجماعات منظمة ترصد الأسر الفقيرة والمحتاجة وترشد الراغبين بفعل الخير عليها بصورة منظمة.
ويتابع أن العشوائية تخرج العمل على إطاره الحقيقي، مؤيدا بدوره الجهود المنظمة التي تضمن وصول المساعدات لمن يستحقها بصورة لائقة وبدون أن تسبب لهم الإحراج.
ويلفت مطارنة إلى أن سعي الناس إلى فعل الخير يدل على الأخلاق الحميدة والتربية الصحيحة التي نشأ عليها هذا المجتمع، لافتا إلى الأثر السلبي الذي يخلفه الفقر والعوز على نفسية أصحابه الذي يخلق بدوره مشكلة نفسية واجتماعية.
ويلفت مطارنة إلى وجود العديد من الناس الذين يملكون كرامة وعفة يرفضون التسجيل في الجمعيات أو حتى إظهار حاجتهم أمام جيرانهم، مؤكدا في هذا الوضع ضرورة البحث عن العائلات المهمشة التي تتحفظ رغم شدة عوزها وفقرها.
ويردف “المشاركة الإنسانية لها تأثير كبير على نفسية الإنسان الفقير؛ حيث تخرجه من اليأس والإحباط وتشعره بأن هناك من يهتم به ويشعر به ويقف إلى جانبه ويساعده على تخطي المحن، فتخلق راحة نفسية وشعورا بعدم الغربة والألم وزوال الشعور بالظلم والقهر”.
ويذهب إلى أن “الحالة التشاركية والتكافل والتراحم أساس النسيج الاجتماعي القوي”، وتخلق حالة إنسانية رائعة وشعورا بالاستقرار، الأمر الذي يفرز مجتمعا سليما وآمنا خاليا من العقد النفسية.

اضافة اعلان

[email protected]