مبادرات شبابية تطوعية تترجم روح التكافل الاجتماعي

منى أبوحمور

عمان- رغم الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها المملكة منذ أكثر من عامين، غير أن مجموعات شبابية استطاعت أن تشعل الأمل والتفاؤل، من خلال مد يد العون وتقديم المساعدة لمن يحتاجها من أبناء المجتمع، من خلال مبادرات تطوعية ترجمت رغبتهم في التلاحم مع مجتمعهم وإظهار روح التكافل.اضافة اعلان
الأعباء المادية التي تثقل كاهل المواطنين في ظل الغلاء، أهم الأسس والركائز التي قامت عليها تلك المبادرات، ومنها مبادرة “ارحمونا” التي طالب فيها شباب وناشطون كافة مؤسسات المجتمع المحلي للحد من النفقات عند إقامة “العزاء”، حتى لا تتحول “المصيبة” إلى اثنتين، بفقدانها للمتوفى وتحمل الأعباء المالية المرافقة للعزاء.
وعن الهدف من المبادرة يقول زياد عبد الهادي المدادحة أحد مؤسسيها، تدعو “ارحمونا” إلى “تغيير الأنماط الخاطئة من إسراف وتبذير في مناسبات الأتراح والتخفيف على أهل المصاب”.
وجاءت فكرة المبادرة، وفق المدادحة، نتيجة ما لمسه الشباب من معاناة بعض أصحاب حالات الوفاة والعزاء، حيث “تكلف بيوت العزاء كأقل تقدير 3000 دينار في حين تكلف آخرين 13000 دينار خلال ثلاثة أيام”.
ويتابع المدادحة أنهم يسعون ومن خلال هذه المبادرة إلى التقليل من التعب والتكلفة التي تترتب على أهل الميت، لافتا إلى أن الميت يحتاج من أهله تجهيزه ودفنه، وتسديد ديونه وتنفيذ وصيته الشرعية إن وجدت، نافيا حاجة الميت إلى الطبخ والإسراف الذي لا يلحق سوى الأذى المادي والدين على أصحاب المصيبة.
في حين أن الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية والرغبة في مساعدة الآخرين وتقديم يد العون لكل محتاج، اللبنة الأساسية التي انطلق منها مشروع “إنسان”، بحسب مدير المشروع عبدالله جودة.
ويقوم المشروع، وفق جودة، على محورين أساسيين وهما؛ الجانب العائلي والتنموي اللذان يعتبران في غاية الأهمية؛ إذ يستهدف المشروع عائلات مكافحة بحاجة إلى فرصة حقيقة لتربية الأولاد وتعليمهم وتحسين مستواها الاقتصادي.
ولا يمثل “إنسان” بالنسبة للأسر مجرد إدخال سرور مؤقت الى قلوب الأسر العفيفة، وفق جودة، وإنما هو مرحلة انتقالية في حياة الأسرة لتصبح منتجة ومستقلة بذاتها، أما المموّل فسيرى حلمه في تنمية المجتمع المحلي قد تحقق من خلال تنمية الأسر المستهدفة، داعيا كل من يحلم بمجتمع فاعل ومنتج مستقل بذاته المشاركة في هذه المبادرات سواء بوقته وبماله أو بأفكاره.
وفي ظل ارتفاع المهور والذهب الذي يؤرق العديد من الشباب والآباء الذين يرون سنوات عمر أبنائهم تمضي أمام اعينهم، تتبنى مجموعة من الشباب الأردني، ذكورا واناثا، حملة أردنية شعبية للحد من ثقافة (الشبكة والمهر المبالغ فيهم) التي تثقل كاهل الشاب عند الزواج.
الارتفاع “غير المنطقي للعقار سواء للتمليك او للإيجار” جعل شباب مبادرة “معيش غير دبلتين” السعي جديا في تغيير ثقافة المجتمع التي تجد أن الزواج لا يمكن أن يكون إلا بالتكاليف العالية والباهظة.
وجاء إطلاق هذه المبادرة التي بدأت في العام 2011، وفق منظمها حمزة كمال بهدف التخلص من هذه العادات التي باتت تكبل الشباب وتجعل الزواج الذي هو حقهم الطبيعي هاجسا يقلقهم في حياتهم.
وينوه كمال إلى أن المجتمع بحاجة لمن يخاطبهم بشكل صحيح وجدي، لاسيما وأنها ليست مشكلة أفراد وإنما هي مشكلة مجتمع بأكمله.
“الحملة جاءت لتخفيف تكاليف الزواج على الطرفين”، فهي ليست موجهة للشاب فقط وإنما أيضا لأهل الفتاة.
“من الأهل إلى الأهل” شعار يرفعه شباب عبر الموقع الإلكتروني “عزوة”، ليجسدوا فيه قدرتهم على التغيير، وتأصيل روح التكافل الاجتماعي والمؤاخاة بين أبناء الشعب، لتقديم المساعدة لمناطق جيوب الفقر في الأردن.
وتحمل مبادرة “عزوة” التي تقودها مجموعة من الشباب الأردني، أهدافا نبيلة، تأكيدا لحق المواطن في التخفيف من الأعباء التي يواجهها، وتمتينا للنسيج الاجتماعي القوي بين أبناء الوطن.
فكرة المبادرة جاءت انطلاقا من وعي الشباب، بأهمية تقديم المساعدة للأسر المحتاجة في المناطق الفقيرة والأكثر برودة في فصل الشتاء، ليحصل أبناؤها على الدفء، وما يحتاجونه من مستلزمات.
وبناء على ذلك قام عدد من الشباب، وبمبادرة فردية، بجمع التبرعات وتقديم المساعدات من دون اللجوء إلى جهات داعمة، حيث اعتمدوا على التمويل الذاتي من قبل المتطوعين، ومن يرغب من أهل الخير في تقديم التبرعات المادية أو العينية.
ولم تقتصر المبادرات على الظروف الاقتصادية الصعبة والمشاكل الاجتماعية فحسب، بل كان للوطن والأرض نصيب من تلك المبادرات وذلك من خلال مبادرة “أنا رياضي أنا نظيف”، التي جسدت الشعور بالمسؤولية اتجاه الأماكن العامة والرغبة في المحافظة على الأماكن الرياضية نظيفة وخالية من الأمراض، نفذت مجموعة شبابية من المتطوعين حملة نظافة تطوعية استهدفت تنظيف المدينة الرياضية والغابة التابعة لها.
وبدأت فكرة هذه المبادرة بجهد شخصي، وفق منظمة المبادرة بتول أرناؤوط، عندما ذهبت إلى المدينة الرياضية لتمارس الرياضة لتتفاجأ بالكم الهائل من الأوساخ والأشجار التي تكسرت بفعل العاصفة الثلجية “إليكسا” التي تعرضت لها المملكة أواخر العام الماضي، الأمر الذي دفعها للقيام بتنظيف المدينة هي وصديقاتها.
ويشدد اختصاصي علم الاجتماع الأستاذ المشارك في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين على أهمية مثل هذه المبادرات، مبينا أن الأصل في الإنسان وضوح إنسانيته التي تعبر عن ذاتها بعناوين مختلفة، خصوصا عند تكافله مع أخيه الإنسان، وذلك التكافل يجب أن يتضاعف بين الأشخاص الأقرب جغرافياً ومصيرياً.  ويلفت محادين إلى أن الذي يقدم المساعدة ويتبرع للمحتاجين، رافضاً اظهار اسمه، إنما يدل على إيثاره وجديته وحرصه على تقديم الخير، خصوصاً إذا كان هؤلاء المحتاجون من الجيران، أو من هم بأمس الحاجة لغيمة دفء وتواصل نبيل من الناس.
ويؤكد أن مثل هذه السلوكيات النبيلة تقوي النسيج الاجتماعي، وتقلل من الفروق الاقتصادية والاجتماعية بين الناس، وتعمل على إزالة التوتر والحقد والحسد بين الغني والفقير، وهذه بجوهرها قيمة.
وينوّه محادين إلى أن مثل هذه المبادرات تحتاج إلى تنميتها في كافة المناطق، ودعمها إعلاميا، لتكون نموذجا يجسّد من خلاله إحساس الشخص بالآخر، “فنحن في مجتمع مسلم، يمثل التكافلُ فيه عماد علاقاتنا”.
والمطلوب، بحسب محادين، ضمان استمرارية مثل تلك المبادرات وتعدد عناوينها، مشيراً إلى حق الناس بالحد الأدنى من العيش الكريم من دون استعطاء أو منّة وهذا الدور يقع أيضا على عاتق الدولة.
ويثني محادين على مثل هذه المبادرات فهي، برأيه، خطوة ريادية من قبل الشباب، وتمثل حبهم للعمل التطوعي وسعيهم لخدمة مجتمعهم، وتعديل الانطباعات غير المدروسة التي أطلقت من قبل البعض بأنهم يقدمون أقل مما هو مرتجى منهم، وأن اهتماماتهم محدودة ببعض الممارسات الشخصية السلبية.
وينصح بأهمية دعم دور الشباب والإنصات إلى مبادراتهم ومشاركاتهم في كل عناوين الحياة ودعمهم باستمرار.