مبادرات شخصية تخفف المهور على الشباب

مبادرات شخصية تخفف المهور على الشباب -(تعبيرية)
مبادرات شخصية تخفف المهور على الشباب -(تعبيرية)

تغريد السعايدة

عمان-  في مبادرةٍ شخصيةٍ منه قرر عوض المعايطة من مدينة الكرك أن يجعل من "تخفيف المهور على الشباب صورة اجتماعية تُطبق في المدينة التي يقطنها". وقد بدأ بتحقيق هذه المبادرة من خلال تزويج إحدى بناته بأقل المهور كلفة، حتى يكون قدوة للآخرين.

اضافة اعلان

المعايطة، وهو إمام في أحد المساجد في مدينة الكرك يقول "في كثير من الأحيان كنت أقدّم دروساً دينية أدعو فيها للتخفيف عن الشباب في المهور، لتيسير أمر الزواج، ولكن، حتى يكون تأثير هذه الدعوة أكثر وقعا في النفوس، وأكثر قابلية للتطبيق على أرض الواقع، قررت أن أزوج ابنتي من شاب تقدم لخطبتها، بتكاليف ميسرة".
الخطوة التي أقدم عليها المعايطة لاقت استحساناً بين الناس، إذ إنه طلب من العريس والعروس أن يحفظا سورة "تبارك"، التي شبّهها بالمؤنس للإنسان، كما هو الأنس في الحياة الزوجية. كما اقترح على ابنته أن تشتري مصاغاً ذهبياً "تقليدياً" للزينة، فوافقت.
لا شك أن غلاء المهور من أبرز الأسباب التي زادت من نسبة العنوسة لدى الشباب والفتيات على السواء، وقد أصبح ارتفاع أسعار متطلبات الزواج من أكثر الأسباب التي تسهم في عزوف الشباب عن الزواج.
في هذا الشأن يؤكد اختصاصي علم الاجتماع الأسري، ومدير عام جمعية العفاف الخيرية التي تُعنى بقضايا الزواج والمقبلين على الزواج مفيد سرحان أن "تكاليف الزواج مرتفعة في الأردن، وتزيد بشكل كبير على إمكانات الشريحة العظمى"، وهذا أدى إلى عزوف عدد كبير منهم عن الزواج، وهو ما يؤثر سلباً على بنية المجتمع ككل.
ويبين سرحان أن تكاليف الزواج لها أوجه متعددة، منها ارتفاع المهور، وحفلات الخطبة والزواج، وشراء الأثاث، وارتفاع أسعار الذهب، وأجرة المساكن، وغيرها من متطلبات الحياة الأسرية. وقد اسهمت العادات والتقاليد السائدة في تفاقم ظاهرة الإسراف في التكاليف المادية المرتبطة بالزواج.
ترى السيدة نهى علي (33 عاماً) أن التخفيف من المهور أمر إيجابي للفتيات والشباب على السواء، وتقول "عندما تزوجت لم يكن عندي أدنى مشكلة في أن أرتدي الذهب التقليدي، باستثناء الدبلة"، وقد زاد ذلك في تعميق المحبة والتواد بيني وبين زوجي، حتى بعد مرور ست سنوات على زواجنا".
وتقول علي إنها تحدثت مع والدها حول إمكانية التخفيف من متطلبات الزواج، خاصة وأنها قررت أن تسكن في بيت أهل الزوج، وقد أسهم هذا في الاستغناء عن بعض الأثاث ومتطلبات أخرى. وتؤكد أنها تعيش في سعادة مع زوجها الذي ما يزال يُقدر لها حسن تعاونها معه في تكاليف الزواج.
وهنا يقول معايطة، وهو الناطق الإعلامي لنقابة الأئمة في المملكة، إنه تعمّد، بالاتفاق مع ابنته، أن يكون العرس في المنزل، دون الحاجة لاستئجار قاعة أفراح، والتفاخر أمام الناس. وقد خففت ابنته من التكاليف، بعزوفها عن شراء الذهب الذي ارتفع سعره بشكل كبير، بالإضافة إلى التخفيف من متطلبات التجميل، والغداء، وكل ما يتعلق بمراسم العرس.
بيد أن ربى (27 عاماً) ترى أن التخفيف المبالغ فيه لا يعتبر شيئاً إيجابياً على الإطلاق، وتقول إن ذلك يعني تنازل الفتاة عن أبسط حقوقها في "فرحة العمر"، "هي فرحة العمر، والمرة الوحيدة التي يحق للفتاة فيها أن تتألق في يوم عرسها، فلماذا تتنازل عن تلك الحقوق؟!".
وتضيف ربى، وهي لم تتزوج بعد، أنها من الممكن أن تتنازل عن بعض "المبالغات التي تتحدث عنها صديقاتها في الزواج"، إلا أنها ترفض تماماً أن تتزوج الفتاة بذهب تقليدي، أو مهر زهيد، كما تفعل بعض العائلات التي تشترط في عقد الزواج أن يكون المهر "دينارا واحدا".
ويتمنى المعايطة أن تلقى مبادرته "الشخصية" رواجاً، واقتداءً بين كل من لديه فتيات مقبلات على الزواج، من أجل التخفيف على الآخرين، وهو ما سينعكس إيجاباً على المجتمع الأردني الذي يمتاز عادة بالتكافلية والتعاضد.
سرحان بين أن أحدث إحصائية قامت بها جمعية العفاف بيّنت أن متوسط سن الزواج ارتفع لدى الشباب ليصل إلى ثلاثين عاماً، بينما لدى الفتيات أصبح متوسط سن الزواج سبعة وعشرين عاماً، وهو عمر متأخر، بحسب نظرة المجتمع. وقد بينت الدراسة ذاتها أن ارتفاع المهور من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى تأخر سن الزواج لدى الجنسين.
الاستشارية الأسرية، الدكتورة نجوى عارف، تعتقد أن التخفيف من تكاليف الزواج يعد أمراً مفيداً لكلا الطرفين، بحيث لا يدخل الزوج على حياة زوجية مليئة بالديون والمتطلبات، نتيجة تكاليف العرس التي كثيرا ما تكون سببا في نشوء المشاكل الزوجية.
وتوضح عارف أن الزوج سيعاني بسبب تكاليف العرس المرتفعة من ضغوط مادية ترافقها ضغوط اجتماعية ونفسية، وقد يساهم ذلك في حرمان زوجته من كثير من الأمور "المتوقعة من ناحيتها"، وهو ما قد يؤدي إلى نشوب مشاكل بينهما.
 وتنصح عارف، الأم والأب، بتيسير شروط الزواج على بناتهما، من خلال التيسير على العريس، بما يؤمن الاستقرار والسعادة لابنتهما.
وتؤكد عارف من ناحية أخرى أن ما يلحق الزوج من تكاليف بعد الزواج قد يرغمه على العمل في أكثر من وظيفة من أجل تلبية طلبات زوجته، أو لتسديد ما عليه من ديون، وهنا قد تشكو الزوجة من غيابه الطويل عن البيت، وهو ما قد يؤدي إلى نشوء مشاكل بينهما وهما لا يزالان في بداية الطريق، حيث بينت دراسات حديثة في الأردن أن "نسبة الطلاق في السنة الأولى من الزواج ارتفعت بشكل ملحوظ جداً".
ويؤكد سرحان أن جمعية العفاف، ولتيقنها من ارتفاع تكاليف الزواج قامت بمبادرات ذاتية، مثل مبادرة حفلات الزواج الجماعية، والتي أصبحت تُقام في عدة دول عربية، مما أسهم في الحد من تكاليف الزواج. كما أن هناك مبادرات شخصية، وعائلية، أو عشائرية بدأت تنتشر تدريجيا، وهي مؤشر يبشر بالخير، إذ تسهم هذه المبادرات الشجاعة في تقوية الترابط والتلاحم ما بين العائلات.
وأشار سرحان إلى أن هذه المبادرات الطيبة بحاجة إلى تشجيع، من خلال تعميمها في وسائل الإعلام، حتى يقتدي الناس بها ويعملون على انتشارها.

[email protected]