مبادرة ترامب للسلام في الشرق الأوسط ما تزال مُعلَّقة

حديث بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الأميركي ترامب، وبينهما مبعوث السلام الأميركي جاريد كوشنر - (أرشيفية)
حديث بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الأميركي ترامب، وبينهما مبعوث السلام الأميركي جاريد كوشنر - (أرشيفية)

بِن كاسبيت* - (المونيتور) 13/11/2017

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

بعد أكثر من سنة من الانتصار الانتخابي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما يزال الضباب الذي يغلف مبادرته للسلام في الشرق الأوسط بعيداً عن التبدُّد. ووفقاً لمصادر دبلوماسية، فإن المستشار الرفيع في البيت الأبيض، جاريد كوشنر، قال قبل وقت ليس ببعيد إنه منهمك في "استكمال" تفاصيل الدقيقة الأخيرة للمبادرة قبل إطلاقها. وسوف يكون هذا مسألة أسابيع، كما قال. لكن الكثير من الأسابيع مرّت منذ ذلك الحين، وما تزال الخطة قيد الاستكمال.
علمت "المونيتور" أن خطة ترامب وفريقه الأصلية كانت إطلاق المبادرة في كانون الثاني (يناير) 2018، بعد سنة من تولي ترامب منصب الرئاسة. وكان من المفترض أن يحدث هذا في احتفال كبير في واشنطن بمشاركة إسرائيل (رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو) والفلسطينيين (الرئيس محمود عباس) بطبيعة الحال، بالإضافة إلى ممثلين رفيعي المستوى من السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر والأردن. وكان من المتوقع أن تشارك الدول العربية التي ليست لها علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل أيضاً، إلى جانب ممثلين رفيعين من "الرباعية" -الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة والولايات المتحدة- والمجتمع الدولي. لكن هذا الموعد النهائي المقرر في كانون الثاني (يناير) يبدو غير واقعي. وتتجه النية على ما يبدو إلى تأجيل إطلاق المبادرة حتى آذار (مارس) 2018.
يشكل النهج الذي تبناه كوشنر وجيسون غرينبلات؛ مبعوثا ترامب إلى الشرق الأوسط، استمراراً مباشراً لمبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي: كان السيسي قد خطط لإطلاق مبادرة سلام إقليمية كبيرة في حال انضم زعيم المعكسر الصهيوني، إسحق هيرتزوغ، إلى حكومة نتنياهو. ومع ذلك، كان أفيغدور ليبرمان، وليس هيرتزوغ، هو الذي انتهى به المطاف بالانضمام إلى الحكومة في أيار (مايو) 2016، كوزير للدفاع.
وكان نتنياهو قد اتصل بالسيسي، وقال إنه يقف خلف التزاماته، حتى ولو أن هيرتزوغ لم ينضم إلى الائتلاف. ومن باب التغيير، تابع نتنياهو ما كان قد وعد به. ففي مؤتمر صحفي عقد عندما انضم ليبرمان إلى الحكومة، أعاد رئيس الوزراء تأكيد التزامه بحل الدولتين. ثم تحدث كلاهما بشيء من التفضيل عن مبادرة السلام العربية للعام 2002، وإنما مع تحفظات، بطبيعة الحال.
كان هذان الشرطان هما أول شيء التزمت به الحكومة الإسرائيلية قبل إحياء المفاوضات في سياق مبادرة السيسي. وكان من الشروط الأخرى التي فشل نتنياهو في الوفاء بها إحداث تغييرات على الأرض لتحسين أوضاع الفلسطينيين. وفي تلك الأثناء، تم انتخاب ترامب وتغيّر ترتيب الأوراق.
للبدء في المفاوضات، كان مطلوباً من الأطراف كافة، وفقاً للوسيط الأميركي، إبداء مؤشرات على حسن النية. وقد وعدت إسرائيل بإجراء تجميد جزئي "هادئ" للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية، وبتطبيق إجراءات يكون من شأنها إفادة الفلسطينيين. ووعدت السعودية والإمارات بالمشاركة في احتفال إطلاق المبادرة، وبأن تقيم اتصالاً مباشراً مع إسرائيل وتزودها بعدة "نافع"، مثل السماح للطيران المدني الإسرائيلي بالسفر عبر المجال الجوي للسعودية ودول الخليج العربية الأخرى.
كان الشيء الوحيد الذي يعيق الصفقة هو "التغييرات الحقيقية على الأرض" التي وعدت إسرائيل بإجرائها، وإنما لم تقم بتنفيذها. وكان من المفترض أن تضم هذه التغييرات تحويل أجزاء معينة من الضفة الغربية من المنطقة (ج) (الخاضعة للسلطة الأمنية والمدنية الإسرائيلية المطلقة) إلى المنطقة (ب) (الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية والسلطة المدنية الفلسطينية) من أجل السماح للفلسطينيين بالبناء وتطوير الأراضي.
كان يُفترَض أن تقوم إسرائيل باتخاذ هذه الخطوة في تنسيق مباشر مع غرينبلات بواحدة من ثلاث طرق: تطبيق "خطة قلندية" التي قدمها ليبرمان للحصول على موافقة مجلس الوزراء، والتي كان ينبغي أن توسع الحدود البلدية للمدينة بشكل كبير للسماح للفلسطينيين بالتطوير والتوسيع؛ و"تبييض" العشرين ألف وحدة سكنية التي كان الفلسطينيون قد بنوها بشكل غير قانوني في المنطقة (ج)؛ أو تغيير وضع مناطق معينة في الضفة الغربية من المنطقة (ج) إلى المنطقة (ب). وكانت هذه هي المنطقة التي أقامت فيها إسرائيل أربع مستوطنات كجزء من عملية فك الارتباط في العام 2005. وكان من المفترض أن يقوم غرينبلات نفسه بجولة في المنطقة في أيار (مايو) 2017 مع الجنرال يواف ميردخاي، رئيس منسق الأنشطة الحكومية في المناطق الفلسطينية، لكن تلك الجولة تأجلت بعد أن تسرب خبر عنها إلى الإعلام الإسرائيلي.
حتى هذا الوقت، لم ينجح نتنياهو في تطبيق حتى ولو واحدٍ من الخيارات المذكورة. وقد رفض مجلس الوزراء الإسرائيلي الحالي، الأكثر يمينية في كل تاريخ دولة إسرائيل، الموافقة على خطة قلندية. كما يرفض الجناح الأكثر يمينية في الائتلاف أيضاً الموافقة على ترخيص البناء الفلسطيني غير القانوني في المنطقة (ج). وفيما يتعلق بتحويل الأراضي في شمال الضفة الغربية، أوقف نتنياهو مؤخراً تمرير قانون سعى إلى السماح للإسرائيليين بالعودة إلى المستوطنات التي تم إخلاؤها، وهو ما كان سيعني عملياً نقض ذلك الجزء من فك الارتباط. ومع ذلك، فإن المسافة من تعطيل القانون إلى تحويل الأراضي للفلسطينيين تظل بعيدة كل البعد.
يوم 6 تشرين الثاني (نوفمبر)، تم استدعاء عباس للقيام بزيارة عاجلة ومفاجئة للرياض. ووفق مصادر فلسطينية، فإنه عندما وصل هناك، تلقى عباس رسالة كان كوشنر قد سلمها إلى الرياض قبل بضعة أيام. وكان من المفترض أن تبدأ المبادرة الأميركية قريباً، وتتوقع الولايات المتحدة من الزعيم الفلسطيني أن يرد عليها بشكل إيجابي، حتى لو كانت هناك عناصر معينة لا يحبها في الصفقة. وبالطريقة نفسها، يحاول كوشنر وغرينبلات التعلم من دروس أسلافهما الذين واجهوا رفضاً فلسطينياً شبه أوتوماتيكي لأي شيء اقترحوه. وكانت الرسالة الأميركية حازمة، مع لهجة تهديد خفية. وقيل إنه ليس على الفلسطينيين رفض المبادرة بتهور. وسوف يتم التعامل مع أي تعليق أو تحفظ يكون لديهم خلال مسار المفاوضات.
تعتقد المصادر الدبلوماسية المشاركة في العملية أن المبادرة الأميركية لن ترى ضوء النهار إلى إذا وافق نتنياهو عليها. وثمة عامل مهم آخر هو أن ترامب لم يصادق عليها بعد. وسوف يتم تقديمها إليه من أجل الموافقة فقط عندما تنتهي. كما أن ترامب، بما هو ترامب، سيكون قادراً على تغيير رأيه في الدقيقة الأخيرة بحيث يتخلى عن "المغامرة" كلها بالكامل.
يظل موقف نتنياهو فيما يتعلق بالمبادرة حساساً تماماً. ويستطيع نتنياهو الاستفادة منها لإيقاف موجة التحقيقات الجنائية التي تتراكم بسرعة كبيرة جداً ضده. وربما يخلص إلى أن عملية دبلوماسية رئيسية، بما فيها التوصل إلى حل إقليمي، يمكن أن تجعل المدعي العام، أفيخاي ماندليبلييت والشرطة يفلتون عنقه. ومع أن ذلك يظل أملاً يائساً، فإنه ليس لدى نتنياهو أي أرانب أخرى يمكن أن يخرجها من قبعته في الوقت الراهن.
ما الذي ستتضمنه المبادرة؟ وفقاً لمصادر متعددة، فإنها ستتكون من إجراء مفاوضات إقليمية في ثلاث قنوات: إسرائيلية-فلسطينية بوساطة أميركية؛ وإسرائيلية-إقليمية ودولية (إعادة تأهيل مخيمات اللاجئين وتعبئة العالم من أجل التوصل إلى اتفاق إقليمي. ومن الممكن أن تحدد المبادرة مبدأ "السيادة" بطريقة تسمح للإسرائيليين والفلسطينيين بتقاسم المناطق بطريقة خلاقة. بل إن المبادرة ربما تحيي فكرة الكونفدرالية الفلسطينية-الأردنية. وربما يكون إنشاء تكوين فلسطيني-أردني-إسرائيلي ممكناً أيضاً.
بعد كل ذلك، يتبقى عنصر واحد: لن يحدث أي شيء حتى يجعله ترامب يحدث، وربما لن يحدث، حتى في ذلك الحين.

*كاتب عمود في قسم "نبض إسرائيل" في "المونيتور". وهو أيضاً كاتب عمود بارز ومحلل سياسي للصحف الإسرائيلية، ولديه برنامج إذاعي يومي وبرامج تلفزيونية منتظمة تتناول مواضيع السياسة وإسرائيل.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Trump's Middle East peace initiative still on hold

اضافة اعلان

[email protected]