مبدعون وقاصون: التأثر الحقيقي فعل لا إرادي

مبدعون وقاصون: التأثر الحقيقي فعل لا إرادي
مبدعون وقاصون: التأثر الحقيقي فعل لا إرادي

إلى أي حد تأثرت القصة القصيرة الأردنية الجديدة بمن سبقها

 

عزيزة علي

   عمان-يرى قاصون اردنيون شباب، ان تجربتهم الابداعية الجديدة ليست بمعزل عمن سبقوهم من جيل الرواد، مشيرين الى ان المرجعيات العالمية او العربية التي نهل منها من سبقهم من القاصين الاردنيين، هي نفسها.

اضافة اعلان

   من جهتها ترى القاصة علا عبيد ان كل ما قرأته قد تسلل بشكل أو بآخر إلى وجدانها الإنساني، وتقول " تأثرت من العالميين بماركيز، وعربيا عبدالرحمن منيف، ومحليا تيسير سبول، ولكي أكون دقيقة فليس التأثر محصورا بالسرد وكتاب النثر وإنما يمتد ليشمل الشعر أيضا فهناك درويش وعرار مما كان لهم الأثر عندي".

    وعن الاختلاف في كتاباتها الإبداعية تضيف عبيد "الإبداع لا تطاله يد التغيير وأقصد بالإبداع خلق حالة الدهشة التي تثير في القارئ. شهوة القراءة والمتابعة والبحث عن المزيد وانما يتغير أسلوب إثارة هذه الدهشة وزاوية النظر إلى القص ففي كثير من الأحيان لم يعد إيصال الصورة متكاملة وواضحة غاية بل صارت الغاية العمل على تشظي النص واللعب بأركانه وزعزعته لصالح ترك الأبواب مفتوحة للقارئ ليساهم في العمل فيغدو شريكا بعد ان كان متلقيا وهو بذلك يضيف للعمل رؤيته الخاصة ويعطيه النكهة الخاصة" .

    وتوضح عبيد ان "السرد الحديث هو عملية أكثر تعقيدا من رواية الأحداث بإقناع وهذا الاختلاف الذي شمل الشكل والمضمون ليس حديثاً جدا بل هو تغيير بات متعمق الجذور ومبررا نتيجة الانقلابات تاريخية في حياة الإنسان الحديث حتى أن بعض الكتاب الآن يبشرون بعصر الرواية الرقمية التي ستوزع الكترونيا بما يتضمنه ذلك من انقلاب في شكل ومضمون السرد".

    وعن الطموح من خلال الكتابة ترى "ان الكتابة بالنسبة لها تحقيق لذاتها وهي أشبه ببوح بصوت عال لمكنوناتها وما تريده من الكتابة وهو النقل بصدق وجمال ما تريد ايصاله للآخر في كل مكان وزمان ومستقبلا حلم ومحاولة مشروعات للخلود".

   ويقول القاص نادر الرنتيسي حينما انصرفت للقراءة بوقت مبكرا "كنتُ مدفوعا بحكمة والدي أن القاص الحقيقي هو الذي يخرج من رحم الأدب الروسي؛ فقرأتُ في وقت مبكر دوستويفسكي سيما "الأخوة كارامازوف" و " الجريمة والعقاب " التي أعدتُ قراءتها مرارا، حتى أنني كنتُ أخشى أنْ أصاب بالعدوى من حمى راسكولنيكوف!  ولم يفتنِ بالطبع مكسيم غوركي وتشيخوف.

   ويوضح الرنتيسي "هذا لا يعني أنني قد خرجتُ من رحم الأدب الروسي، على عظمته، لأنني أخلصتُ في وقت مبكر للمعرفة التي تستدرك انعطافتها يمينا أو يسارا، إلى الطريق الرئيسي، حين تأخذ مبتغاها".

    اما فيما يتعلق بخصوصية الكتابة في الألفية الثالثة يعتقد الرنتيسي ان "الإبداع بالضرورة يعني الاختلاف، ويستطرد قائلا "من الصعب أن أرقم خصائص نصي، لأن ذلك متروك للقارئ والناقد؛ لكنني أخذتُ عهدا على نفسي أمام نصي بألا أكون من مبدعي "إماطة الأذى عن الكتابة".. وهذا خلاصة طموحي!".

    يؤكد القاص ياسر قبيلات أن "التأثر" الحقيقي هو فعل لا إرادي؛ فلا يختار الكاتب من يتأثر به، ولا يستطيع تحديد نوع التأثر، أو مستواه أو حجمه. ويوضح قبيلات "لقد توقفت في حياتي عند أعمال كثيرة، كما توقفت عند العشرات من الأسماء الأدبية والفنية في مجالات الفنون كافة، وأعتقد أن توجهي للكتابة جدياً، قد مرّ بعدة منعطفات مهمة، ولكنني اذكر أن اسم تيسير سبول، وعمله "أنت منذ اليوم"، كانا المنعطف الأول تقريباً، والأبرز في البدايات.. وتطول من بعده القائمة إلى درجة يستحيل اختزالها بعشرات الصفحات. كما إن بعض من شهد عن كثب تشكل اهتماماتي الموسيقية، يستطيع رصد تأثير عضوي قوي ومباشر لبعض الألوان الموسيقية المعروفة على كتابتي".

   ويعدد قبيلات الخصوصية فهناك خصوصية الكتابة، التجربة الإنسانية "لذا سأبدأ من هذه الأخيرة؛ لقد كنت على الدوام منزوع الرغبة من الحصول على "أبهة" الكاتب، وأجد أن أقرب الأشياء في الإشارة إليّ هي اسمي المجرد، المفرد، وإن كنت اشعر بعمق أن الاسم لا يختزل الإنسان. ومهما يكن من أمر، فإن نشأتي في عائلة ذات جذور بدوية حيّة، تعلي من شأن الإرادة الحرة، وتقدر التعليم والثقافة وكل مكونات وأسباب التفرد التي تصنع، في النهاية، شخصية مستقلة، أسست لعناصر الخصوصية المفترض وجودها".

    ويضيف "ولا أنسى التجربة الإنسانية المتفردة لجدي البدوي، وهو حكّاء من طراز رفيع، وكذلك التجربة السياسية والثقافية لأخي الأكبر وجيله من الكتاب والمثقفين الأردنيين الذين كنت على تماس مع تجاربهم من خلاله، قد أسهمت بدورها في تشكيل نظرتي وأسلوبي الخاصين، ولا أنسى – كذلك - أن هذا كله أسس لتجربة مهمة، تمثلت في تجربة الحياة في روسيا في فترة تحولات كبرى، وهي بالمناسبة، لم تكن تجربة إنسانية وحسب، بل وفكرية وثقافية كذلك. أما الخصوصية الأدبية فقد تمثلت في الإصرار على الكتابة بصوتي الخاص، وعدم الانجرار وراء بريق النشر".

    وقبيلات لا يفكر في المستقبل والطموح، ولا يعبأ بهما، ولا يأخذهما على محمل الجد، أبداً! ويضيف "إنني اكتفي بالاهتمام، ما أمكنني، بتنظيم حياتي الخاصة، وإدارة شؤوني الشخصية، بينما أميل تلقائياً، لترك كتابتي وشأنها، ولا أحملها متاعبي. إنني اتركها تواجه مصيرها، وإن كنت لا أغفل عن طموحاتها. وهي عموماً، طموحات الكلمة في أن تقال كما يجب، وفي أن تتحول إلى لفظ منطوق، ورسم منشور.. دون استعجال".

    ويعتبر القاص أحمد أبوحليوه أن المدرسة الروسية حازت على القدر الأكبر من التأثير عليه فهي مدرسة عريقة في الأدب العالمي "مثل مكسيم غوركي وتوليستوي وتشيخوف وغوغول ودوستفسكي، فهذا الأدب العملاق كما قال عنه الروائي اللاتيني غابرييل ماركيز، لم يتركوا الكتاب الروس شيئا لمن جاء من بعدهم كي يكتبوا عنه، اما عربيا فكان التأثر بغسان كنفاني وزكريا تامر كبيرا".

    وعن الاختلاف يقول "لكل مبدع بصمة لا تتكرر ولكن قد يتشابه مع هذا أو ذاك، إلا ان هنالك عوامل مشتركة تجمع كل جيل أدبي، وذلك يعود لخصوصية كل مرحلة، وبالنسبة لجيلنا (جيل الألفية الثالثة) فهو جيل يعيش الزمن الصعب، زمن سقوط الإيديولوجيات والقوميات وحتى الوطنيات، ويبدع في عصر المستحيل، عصر تكفين الحبر بقماش الورق الأبيض في قرن ماتت فيه ثورة الكلمة، وتألقت ثورة الفضائيات والخلويات والانترنت".

    ويرى أبوحليوه ان الاستمرار في الكتابة لجيل الألفية الثالثة يحتاج إلى "الاهتمام والعدم لأن كتاب الألفية الثالثة أقل قدرة على الاستمرار من أي وقت مضى، كما أنهم أكثر عرضة للسكتة القلمية، ولذا يتوجب على الجهات الرسمية والمختصة تحديدا تأمينهم إبداعيا، وهو حق وإنقاذ لهم، قبل أن يكتشفوا أن الإبداع الأدبي في الألفية الثالثة مجرد حالة دونكشوتية".