متظاهر من نعلين

اريئيلا رينغل هوفمان

 

ولد محمد عميرة ونشأ في نعلين على مبعدة خمس دقائق سفرا شمالي شرقي مفترق موديعين. وهو يقارب الاربعين ومتزوج وأب لاربعة ومدرس علوم وطبيعة وهي مهنة درسها في مدرسة كدوري في طولكرم، وهي أخت كدوري الاسرائيلية. وقد كان يعمل الى أن ذهب للدراسة سنوات في اسرائيل في الزراعة والبناء وبما أُتيح له. وعقد صلات ممتازة بأرباب عمله حافظ عليها ونماها بمبادرة منه حتى بعد الانتفاضة الثانية وبعد أن سُدت المداخل الى البلاد وبعد أن أصبح الحصول على تصريح عمل عملا غير ممكن تقريبا إلا اذا وقفت في الطريق عند أذرع الأمن ووافقت على شروط رفض محمد عميرة الموافقة عليها. لا بسبب ما عنده أو ليس عنده على الاسرائيليين بل بسبب ما كان عنده وما يوجد عنده للفلسطينيين. وقد أفضى به ما كان له وما عنده لهم ايضا الى المظاهرات الكبيرة جمعة بعد جمعة إزاء جدار الفصل الذي بني غير بعيد عن نعلين. كان هناك أبناء الثامنة عشرة والعشرين من العالم كله، مع شعور طويلة وكوفيات وغيرها أمام أبناء الثامنة عشرة والعشرين من اسرائيل من لابسي الدروع الواقية.
بدأ ذاك في 2008 مع دخول الجرافات الى الأرض. إن مسار الجدار الذي اجتاز جميع أصناف الترخيصات ومنها ترخيص المحكمة العليا اجتذب الى جانبه الغربي جزءا واسعا من اراضي القرية ومنها مزارع الزيتون واراضي السكان الزراعية. بيد أنه بخلاف الوعد بأن تبقى الابواب مفتوحة – سُمح في غضون زمن قصير بالفعل بالدخول والخروج في موسم الحرث بين آذار (مارس) ونيسان (ابريل) وقطف الزيتون في تشرين الأول (اكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر)، في الأساس.
وهكذا وجد عميرة نفسه في مركز المظاهرات مع مكبر الصوت في يده، موضحا للجنود أنه يعارض العنف ولا يريد القوة، لكن يحق له أن يفلح مزارع زيتون العائلة واذا شاء فإنه يستحق ايضا ان يدخل للتنزه مع الأولاد في ظلها كاليهود، كما قال.
عرفه المتظاهرون وعرفه الجنود وأُعلم مرة بعد اخرى على انه واحد من القادة لكن لما كان يحرص على النضال من غير استعمال العنف فقد ضُرب وأصابه الرصاص المطاطي من مدى قصير ايضا لكنه لم يعتقل قط حتى ولا حينما تبنى بروح الصيف المتفائلة هتاف: "سكان نعلين يريدون عدل الأرض".
الى أن جاء الى مظاهرة في قرية دير قدّيس غير بعيد عن نعلين. كان ذلك في منتصف حزيران (يونيو) قبل ثمانية أشهر ووصلت جرافة الى الأرض. وخرج المحليون مع عدد من الاسرائيليين يتظاهرون قبل ان يفاجأوا بأن شخصا ما استولى على الأراضي التي تزعم اسرائيل أنها أراضي دولة. وعرفه أحد الضباط كما يقول عميرة. وقال للجنود: هذا من نعلين وأنا أعرفه وأعتقل عميرة. وتجري الآن محاكمته في المحكمة العسكرية في عوفر وهي مكان مرتب ومنظم بحسب جميع القواعد، عند القاضي المقدم أمير دهان الذي يتحدث العربية بصورة ممتازة والذي حرص على أن تترجم كل كلمة تُقال في القاعة لعميرة وفعل ذلك بنفسه حينما كان المترجمون يخرجون.
تشتمل لائحة الاتهام على مادتين هما التحريض والتشويش على جندي. والتشويش على الجندي لأنه لم يترك الأرض بإرادته لكن أمر التحريض هو الذي يثير الاهتمام: إن أحد الأوامر الأسبق مما تم تطبيقه على سكان الضفة في 1967 قضى بأن كل عشرة أشخاص يجتمعون معا لغرض سياسي يحتاجون الى تصريح ومن يفعل هذا بغير تصريح تتم ادانته بالتحريض. أو بعبارة أخرى يُعد عشاء عائلي عند عميرة مع إخوته وأخواته يشتمل على أخذ ورد في الحديث على الاحتلال الاسرائيلي، يُعد تحريضا من جميع جوانبه.
كانت إذن تلاوة للائحة الاتهام، ومداولة اولى وكانت أمس مداولة ثانية ولعميرة محام هو نيري رماتي يدافع عنه، ولم تتجاوز المداولة ولم تتعد أي مادة من محضر الجلسات. بيد ان كل هذا لا يمكن ان يغطي على المظلمة المستمرة وعلى بلادة الحس السياسية وعلى استكبار السلطة وعلى إضاعة دولة اسرائيل الكبيرة للفرصة وهي التي تعتقد منذ 45 سنة أنه يجوز لها فعل كل شيء باسم الأمن وتحت غطاء الأمن ولمصلحة الأمن. لأنه مَن هو محمد عميرة هذا بربكم الذي يقض مضاجعنا مرة بعد أخرى ولا يتنازل؟

اضافة اعلان

 

يديعوت أحرونوت 16-2-2012