متى استيقظت آخر مرة في الجنة؟

"متى كانت آخر مرة استيقظتَ فيها على صوت زقزقة الطيور، ورأيتَ دفء الصباح يشعّ ضياءً في بيتك؟ ستشعر أنّك صَحوتَ من حلم! متى جلستَ آخر مرة على شرفتك مأخوذا بمشهد الصحراء، وأطفالك يلعبون بحرية في الساحة؟ هناك من يعيشون هذا الحلم حقيقةً كل يوم". جاءت هذه العبارة في إعلان لمستوطنة "عَنَتوت"، نُشر في صحيفة "يديعوت أحرنوت" مطلع هذا العام، واطّلعتُ عليه في نشرة لرصد الاستيطان الإسرائيلي تصدر من الولايات المتحدة.اضافة اعلان
أرسلتُ منذ ستة أشهر للقائمين على النشرة أسأل لماذا ينشرون الإعلان؟ لم يجيبوا، ولكني أجزم أنّهم يرصدونه فقط. بقي الإعلان على مكتبي، أنظر إليه، مُستشعرا كم قد يُدمي قلوب فلسطينيين لا يستطيعون الوصول إلى بلدهم.
عندما بدأت الاحتجاجات الاجتماعية مؤخرا في إسرائيل، فكرتُ أنّ الإسرائيليين قد يتنبهون أخيرا لمشكلاتهم الاقتصادية التي يسببها الإنفاق الهائل على الاستيطان. وسألتُ صديقاً يتقن العبرية، عن طريقة لفظ اسم المستوطنة، فرد: "المستوطنة هي علمون، واسمها السابق عنتوت، وتقع قرب قرية عناتا الفلسطينية، شمال القدس. وبحسب المزاعم الصهيونية، تقوم حيث كانت هناك قرية يهودية توراتية تدعى عنتوت".
أثار استغرابي استخدام الإعلان مصطلح "مشهد صحراوي". بحثتُ عن المعنى بالإنجليزية، واستخدمت "غوغل إيرث" لأرى المنطقة، فتبيّن أن المنطقة ليست خضراء تماما، ولكنها ليست صحراء أيضا. أمّا المصطلح المستخدم فيقودك إلى تعبير شائع لأنواع بناء في الولايات المتحدة ذات إطلالة معينة!
جاء في الإعلان ذاته أنّ المستوطنة "علمانية"، و"أهلها" يسعون لحياة متميزة وآمنة، وأنّهم يشغلون مواقع مميزة في الحكومة والقطاع الخاص، وأنّ "كل السكان يتوقون ليكونوا جزءا من مجتمع ذي ثقافة علمانية، لديهم قيم الصبر، والاستقلالية، والحياة النوعيّة".
ويشير الإعلان إلى أن التمويل مضمون، والأقساط تبدأ من 540 دولاراً، لوحدات هي فلل من خمس غرف، معها شقة تسوية من غرفتين يمكن تأجيرها "والتمتع بأموال الإيجار"! ويُسهب الإعلان في تبيان الحياة الثقافية، والفنية، والدينية في المستوطنة، وفي وصف حدائقها وساحاتها.
يكشف الغوص في الإعلان قضايا أكثر، يصعب حصرها هنا؛ منها التناقض الأصولي–العلماني في المجتمع اليهودي. فالإعلان يشير إلى "غيتو" علماني، والحديث عن الاستقلالية تلميح للاعتماد على الذات مقابل المتدينين الذين يعيشون بلا عمل اعتمادا على المساعدات. والواقع أن حركة "السلام الآن" تقول إنّ من أسباب لجوء اليهود الأصوليين الأرثوذوكس للاستيطان بحثهم عن "سكن رخيص في محيط منعزل كليّا للأصوليين"، فنحن أمام جنة قوامها عدم التفاهم وعدم التعايش حتى مع اليهودي الآخر! والسؤال: متى قامت السعادة على هذا القدر من التنافر؟!
كان سبب "طموحي" أن يكتشف الإسرائيليون أنّ الاستيطان يضر باقتصادهم هو أنّ المستوطنات تحصل على دعم يصل أضعاف ما تحصل عليه المناطق السكنية اليهودية "في إسرائيل". ولأنّه بينما يستمر تسارع وتيرة البناء في المستوطنات، فإنّ البناء بطيء للغاية داخل إسرائيل، ما يجعل النمو السكاني في المستوطنات ثلاثة أضعاف نظيره في باقي فلسطين.
ولكن على أرض الواقع، تشير المصادر المختلفة إلى حذر بالغ إزاء إثارة موضوع الاحتلال والاستيطان في أوساط المحتجين، لأنّ ذلك سيؤدي إلى انقسام سياسي وأيديولوجي بينهم. الأنكى أنّ الحركة الاستيطانية تقدّم بيانات واقتراحات بأنّ حل مشكلة السكن هي بالمزيد من الاستيطان.
يوسي ساريد، السياسي اليساري الإسرائيلي، يقول إن التلفزيون الرسمي "يخبرنا كيف سنبني بلدات كاملة بسرعة وبأسعار رخيصة. فهي رخيصة لأنّها على أراضٍ خاصة مسروقة، وبعمالة عربية بنصف الأجر أو أقل"!
نحدّق عن بعد: جنتنا يُعاد تغليفها بغلاف أميركي، لتُقدّم بأسعار مدعومة لأي يهودي، وتُبنى بعمالة عربية متدنية الأجور، وممنوعة من بناء بيوتها، أي جحيم هذا؟!!

[email protected]