متى تفشل الثورات!

لا يتبادر إلى الأذهان أننا نحكم من خلال هذا العنوان على ثورات الياسمين المشتعلة في عالمنا العربي الآن بالفشل، فما سأقوله لا يعدو تحذيراً من حدوث التفافات على هذه الثورات لإسقاطها وإفشالها بأيدي محازبي الأنظمة المنهارة.

اضافة اعلان

في كل مكان من العالم، هناك قوى شد عكسي تعمل على إجهاض أي تغيير من أجل بقاء الحال على ما هو عليه. والتغيير الحاصل الآن في المنطقة العربية يرقى إلى إعادة صياغة التاريخ، مع أن مفاهيم الديمقراطية لم تترسخ بعد في الوعي العربي، لكن بعد أن هبت عاصفة تونس وتلاها إعصار مصر، ثم معركة ليبيا، بدأ الزلزال العربي المخيف يهز أركان الأمر القائم، بل والنظام الدولي بأسره، ويفرض على الحكام رؤية أنفسهم بدلالته أساساً.

ويتضح يوماً بعد يوم أن التغيير الديمقراطي المنشود في كل من تونس ومصر، ينطوي على كثير من المصاعب والعقبات، وليس لقمة مستساغة، لأن هناك من يحاول الصعود إلى القمة رغم أنه من قوى الشد العكسي، لا بل من رفاق وأصدقاء وشراذم الأنظمة السابقة. وقد يسير التغيير الديمقراطي في طريق مليئة بالكثير من التعرجات، في ظل مرحلة انتقالية قد تقصر أو تطول، وتكون قوى التغيير مضطرة خلالها للتعايش مع قوى الثورة المضادة، أو قوى لجم وكبح التغيير، والتي ستسعى جاهدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام.

إن ما نجحت فيه الانتفاضتان في تونس ومصر، حتى الآن، هو الإطاحة برأسي النظام، وهذا العمل على أهميته الفائقة لا يشكل سوى الخطوة الأولى فحسب نحو إسقاط النظام ككل، على نحو يجري التخلص فيه من الاستبداد برمته، ويقطعه مع ماضيه نهائياً.

إسقاط رأس النظام في العالم العربي يحتاج إلى قوافل من سيارات الإسعاف التي تحمل الجرحى إلى المستشفيات، ويحتاج كذلك إلى جموع غفيرة غير منشغلة بشيء إلا بنقل الشهداء إلى المقابر، لكن إسقاط نظام في العالم الغربي لا يحتاج إلى أكثر من ململة بسيطة من الشعب، يفهم القائد هناك أن الشعب لا يريده، فيرحل بكل هدوء، ويحجز زاوية يختبئ فيها.

فرادة التغيير الذي جرى أن قوته الأساسية الشبابية والشعبية لم تكن منظمة، ولم تكن لها قياداتها المعروفة، فضلاً عن غياب برامجها الواضحة والمحددة، والأهم من ذلك أن الثورة لم تنقلها إلى سدة الحكم مباشرة للشروع الفوري في تنفيذ رؤاها وأهدافها، وهي لم تهدم السلطة السابقة تماماً وتستولي على السلطة بنفسها، كما جرت العادة في الثورات المعروفة (الانقلابات "العسكرحزبية")، بل يتدخل الجيش ليصبح شريكاً لها، وليس أي شريك، فالحكم والسلطة مايزالان في يده وفي يد مؤسسات النظام السابقة إياها، وهو ما يحشر الثورة في حرج أنها لم تتمكن حتى اللحظة من إخراج معتقليها من السجون مثلاً. لقد اضطر شباب ثورة كانون الثاني (يناير) في مصر إلى العودة مجدداً إلى ميدان التحرير لإسقاط حكومة أحمد شفيق، والمطالبة برفع حالة الطوارئ، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب، وتشكيل حكومة انتقالية، لكن الالتفافات على الثورة مستمرة، فجاء وزير من عهد النظام السابق ليتولى رئاسة الحكومة. كما أن إزاحة محمد الغنوشي من منصبه كوزير أول في تونس كلفت جمهور الثورة أن ينزل مجدداً إلى الشارع ولأيام عدة، وأن يدفع خمس ضحايا إضافية أيضاً.

وبالمقارنة مع تونس ومصر، فإن ما يجري في ليبيا يوضح بجلاء أن ضريبة التغيير قد تكون باهظة جداً، وأخطر ما في الأمر أن يتمكّن النظام من وضع مواطنيه بعضهم في مواجهة البعض الآخر، مسخّراً وموظّفاً موارد الدولة وإمكاناتها المالية الكبيرة الموضوعة كلها تحت تصرف رأس النظام وأبنائه، غير آبه بانزلاق البلاد نحو حرب أهلية لإطالة أمد بقائه في السلطة، أسابيع أو شهوراً قليلة لا غير!

[email protected]