مجالس الطلبة والديمقراطية

أعلنت الجامعة الأردنية قبل أيام أنها تدرس إلغاء آلية تعيين نصف أعضاء مجالس طلبتها. تلك دراسة يجب أن تكون قصيرة جداً. ونتائجها يجب أن تكون قراراً لا رجعة عنه في إلغاء إجراء يناقض أبسط قواعد الديمقراطية.

اضافة اعلان

لم يكن هنالك أي مبرر لحرمان الطلبة حقهم في انتخاب كل ممثليهم. تعيين نصف أعضاء مجالس الطلبة بدعة لا مكان لها في جامعة يفترض أن تكون مدرسة في تكريس الثقافة الديمقراطية. وعلى الجامعة أن لا تتردد في تصحيح هذا الخطأ الذي لا ينتمي إلى أي تقليد ديمقراطي.

الجامعة الأردنية هي الأعرق في الأردن. ساحاتها شهدت حراكاً طلابياً كان ذات زمن مقترباً لدرجة عالية من دور الجامعات في التفاعل مع المحيط السياسي والاجتماعي والاقتصادي. تغيّر الكثير مذ ذاك. وتحولت الساحات التي كانت منابر للحوار الفكري والسياسي إلى حلبات لشغب وعنف طلابي حول قضايا ساذجة لا علاقة لها بفكر أو بسياسة.

تضييق الأفق السياسي هو الذي سبّب الانحدار في الثقافة الجمعية للجامعات. وأسوأ تجليات هذا الانحدار هو فقدان الجامعات دورها مساحات رحبة للحوار والاختلاف الفكري والتجربة السياسية وتحوّلها إلى غرف صفية تدرّس ولا تثقف، لا تغني تجربة ولا توسع آفاقاً.

ذلك مشهد يتناقض مع الدور التاريخي للجامعات في حفز الفكر وتعميم الاستنارة. وفوق ذلك، هو تشوه سيفاقم التشوه الأعم في المجتمع حيث لا جذور لثقافة ديمقراطية حالت السياسات والقوانين وأسباب داخلية وخارجية أخرى دون تطورها.

مستقبل الأردن مرهون بقدرته على تشييد بنيان الدولة الحديثة المحمية بمؤسسات ديمقراطية. وشرط بناء هذه المؤسسات هو تعميم ثقافة ديمقراطية لن تنشأ إلا بإصلاح تشريعي واحترام سيادة القانون والتزام أنظمة مساءلة فاعلة وتجذير الفكر الديمقراطي هوية ثقافية وفكرية للمجتمع.

دور الجامعات في هذه المسيرة كبير. ففيها تتكون الرؤى وتُصقل شخصيات أجيال المستقبل. لذلك تتحمل الجامعات عبء تكريس الثقافة الديمقراطية من خلال التزام قيمها وتقاليدها. حرمان الطلبة حقهم في الانتخاب لا يبني ثقافة ديمقراطية.

لن تندم الجامعة الأردنية إن قررت إعطاء الطلبة حقهم الكامل في ممارسة ديمقراطية غير منقوصة في جامعتهم. ذلك أنه يفترض أن تتقدم الجامعات على مجتمعاتها في ممارسة الديمقراطية وفتح الآفاق واسعة أمام الفكر ليتمرد ويتحدى ويحاجج كل موقف سياسي واجتماعي. لسنوات طويلة، حاصرت الجامعات الفكر وحالت دون تفتّقه آراء وتيارات تشطح وتتيه ثم تستقر وتنضج في دورة طبيعية للنمو الفكري. تستطيع الجامعة الأردنية أن تقود الإصلاح. ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة. إلغاء تعيين نصف أعضاء مجالس الطلبة خطوة على هذه الطريق.