مجالس منزوعة الدسم

الأصل في المجالس أن تكون كيانات تجمع أصحاب الخبرة والقدرة والاختصاص لوضع إمكاناتهم وقدراتهم في خدمة الاهداف والمهام التي وجد من اجلها المجلس وبصورة تتجاوز الاحكام والقرارات الفردية التي يمكن ان يتخذها الحكام او المدراء والرؤساء. اضافة اعلان
لفترات طويلة من تاريخنا العربي كانت المجالس تشتمل على حاشية الحاكم وجلساء العالم وتلامذة الفقيه بحيث تسمى المجالس بأسماء الحكام والعلماء الذين يديرونها. اليوم ومع تغير الاوضاع ما تزال فكرة المجالس اسيرة لنظام المشيخة الدينية والعشائرية التي توارثها المجتمع العربي عبر القرون.
الشكل الحداثي للدول والمؤسسات لم يساعد في التخلص من النموذج الأبوي لتركيبة المجالس واسلوب اداراتها وعملها. ففي مختلف المجالس التي يتم تشكيلها ككيانات للادارة والتطوير يكتسب كل مجلس هويته ومكانته وطابعه من اهمية رئيسه الذي يتولى وبصورة منفصلة تقديم الافكار والمقترحات ومشاريع القرارات لتتماشى مع التوجهات العامة للمؤسسات التي يرتبط بها. لذلك فإن من غير المتوقع ان تقوم المجالس بأدوار مهمة في توجيه وتطوير العمل بما يختلف عن ايدلوجية وافكار الرئيس الذي يتم اختياره بعناية.
لذا وعلى خلاف ما يعنيه المفهوم في المجتمعات الغربية والحضارة الانسانية ينظر العرب للمجلس باعتباره كيانا له بناء وتنظيم تراتبي محافظ يديره عالم أو شيخ أو امام أو فقيه أو رئيس بحيث يكون هو الراعي والمنظر والمحرك الذي يدير ويوجه ما يدور في المجلس ويأمر بانعقاده ويشير الى انتهائه ويحدد مجرياته.
في الأردن اليوم لا يحتاج المرؤ للكثير من العناء لكي يلاحظ الاكتظاظ الذي تشهده البلاد في اعداد المجالس واللجان. فلا يوجد مؤسسة او بلدة او تنظيم بلا مجلس او هيئة او لجنة تديره او تشرف وتتابع بعضا من المهام والادوار. بعض هذه المجالس واللجان للادارة والآخر للتشريع وهناك مجالس للحكم المحلي والتخطيط والاستشارات وللتحقيق والتقييم وغيرها.
بعض المجالس منتخب والآخر معين. في النظام السياسي الأردني نشأ مجلس المشاورين مع نشأة الدولة وقد ضم مجموعة محدودة من الشخصيات العارفة بطبيعة المرحلة وتوجهات الدولة ومستلزمات بناء أنظمتها فكان ان تولى بعضهم مهام تشريعية وتنفيذية الى ان انبثقت مجالس جديدة أحدها للنواب والآخر فيما بعد للاعيان. الكثير من المجالس لا تضيف كثيرا بل تتحول الى عبء ثقيل على الدولة والمؤسسات التي ينبغي ان تستفيد من وجودها.
بالرغم من مشاركة الشعب في انتخاب المجالس النيابية والبلدية الا انها لا تحظى بالقبول والرضا من قبل شرائح المجتمع. الاسباب الكامنة وراء ضعف الثقة بالمجالس يعود للانفصام الثقافي الذي تعاني منه مجتمعاتنا. فالناخب يفضل التصويت للاقارب والاصدقاء لعضوية المجالس على حساب الاشخاص الاكثر تأهيلا وكفاءة ولا يتردد في نقد ولوم المؤسسة البرلمانية على مستوى الاداء غير المرضي متجاهلا مسؤوليته في الاختيار للاشخاص الاقل تأهيلا وإدراكا للمهام والمسؤوليات.
في العشرات من المجالس المنتخبة والمعينة تغيب الكفاءات الاكثر قدرة وتأهيلا على التشريع والتخطيط والرقابة، الأمر الذي يضعف اداء المجالس ويحرم المؤسسات من التطوير والتقدم والتنافسية التي تحتاج لها.
أساتذة السياسة والاقتصاد والفلاسفة وفقهاء القانون لا يتواجدون في المؤسسات التشريعية ومجالس الادارات والتخطيط التي تعج باشخاص واعضاء تنقص الكثير منهم المعرفة والخبرة والدراية التي تحتاج لها المجالس.