مجرد تحليل ومحاولة تفسير

ينسب بعض المحللين انفجار بيروت الهائل المدمر للبشر والحجر إلى إسرائيل، بربطهم الانفجار بتهديد السيد حسن نصر الله إسرائيل ذات مرة بضرب نيترات الأمونيا في فلسطين، فكان رد إسرائيل عليه بتفجيرها في بيروت. طبعاً لا تعترف إسرائيل بذلك، وما من دولة اتهمت بغيره أو بمثله اعترفت به. تذكرنا هذه الحالة أو يجب أن تذكرنا بحقيقة يهودية راسخة يجب أن لا تغيب ابداً عن السياسة أو البال، وهي أن اليهود لا ينسون ابدا الصغيرة أو الكبيرة من الإهانات المادية والمعنوية، التي تقع عليهم. ولأن تاريخهم طويل فإنهم يصبرون إلى أن تأتي الفرصة واللحظة المناسبة فيردون وينتقمون. لقد عانى اليهود – وهذه حقيقة تاريخية – لأكثر من ألفي سنة من التشتت والاضطهاد، ولثلاثة أسباب رئيسة: الأول: لادعائهم الديني أنهم شعب الله المختار وربهم رب الأرباب، ويؤمن المسيحيون الذين اضطهدوهم بالتوراة (العهد القديم) الذي يؤكد ذلك، وكذلك يفعل المسلمون بقوله تعالى: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة، الآية: 47) اي على الناس أجمعين. والثاني: صلب المسيح الذي أصروا عليه. والثالث: اتهامهم بالربا. وهكذا وجدوا أنفسهم حيث حلّوا مكروهين ومضطهدين ومشكوكا في ولائهم، وبلغ الاضطهاد أوجه في القرن التاسع عشر حين تعرضوا لعدد من المذابح في روسيا وشرق أوروبا، ونشأت المسألة اليهودية. ونتيجة لذلك التاريخ انكفؤوا على أنفسهم في الجيتوات، وطوروا في اثناء ذلك فكرا عنصريا خاصا يميزهم عن غيرهم. ولكي يقاوموا الاضطهاد ويحافظوا على البقاء حولوا مقولة شعب الله المختار إلى تفوق علمي وأدبي وفني وتقني حيث هم ليثبتوا صحتها. وبهذا التفوق الذي مثله نيوتن مروراً بآلاف غيره منهم وانتهاء بآينشتاين، صارت الدول المضيفة لهم تنسبهم إليها، وتتباهي بهم. فما بالك إذا كان أكثر فئة من حملة جوائز نوبل في العالم من اليهود!!! في أثناء ذلك أي طيلة فترة الاضطهاد إلى اليوم، ظلوا يسجلون عمليات الاضطهاد وأمثلته وحوادثه ورموزه في كتبهم وعقولهم وتنشئتهم ومدارسهم... جيلا بعد جيل، حتى صاروا قوما لا ينسون ابدا. ومن ذلك – مثلاً – أن صحفياً وجه سؤالاً استنكارياً مرة إلى شمعون بيرس: ألن تنسوا الهولوكوست/ المحرقة؟ فأجاب محتداً: لم ننس السبي البابلي بعد فكيف ننسى الهولوكوست؟!! لقد تمكنوا أخيراً من الحصول على وعد بلفور سنة 1917، ومن الانتداب البريطاني على فلسطين وإقامة دولة لهم فيها. ولأنها الدولة الوحيدة في العالم التي يمكن أن تزول بهزيمة حاسمة واحدة، فإنهم لا يخطئون في حمايتها، ولا يسمحون بإصابات حرجة فيها ما استطاعوا، متسلحين بالقوة الشاملة، والمهارة السياسية الدولية. إن وظيفة الموساد ملاحقة كل معتد “سياسي” دموي عليهم، وتصفيته مهما طال الزمن. ومن أمثلته ملاحقة النازيين إلى اليوم، وتصفية جميع أفراد الخلية الفلسطينية التي اغتالت الفريق الرياضي الإسرائيلي في ميونخ وكل من قتل (سياسياً) يهودياً أو يهدد عمله أو دوره بقاء إسرائيل... لعل ما حدث في بيروت أخيراً يذكرنا بما حدث في العراق سابقاً الذي تم تدميره أفقياً وعمودياً دولياً وعربياً بما في ذلك مشاركة الأسد الأب فيه لحساب إسرائيل دون أن تشترك فيه، ثأرا من السبي العراقي البابلي القديم، وانتقاماً من العراق الحديث حين هدد صدام إسرائيل بتدمير نصفها بالكيماوي المزدوج، وضربها برشقة من الصواريخ، فانتهى الأمر بتدمير العراق وبإعدامه شنقاً. وربما تتذكر ما فعلته إسرائيل بعبد الناصر الذي كان يهدد إسرائيل ومن يقف وراء إسرائيل بالويل والثبور وعظائم الأمور، فأذلته بهزيمة 1967. أما الأسد الأب فلم يستخدم تلك اللغة بل حافظ “بصدق” على الهدوء في الجولان ولكنه حارب إسرائيل بالوكالة في لبنان. هذا لا يعني أن انفجار بيروت إسرائيلي بالتأكيد ولكن الاحتمال قوي والدليل عليه اتهام السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير إسرائيل ضمناً به عندما وجه كلامه إليها أنه يعرف عن ميناء حيفا أكثر مما يعرف عن ميناء بيروت. لا يعني ذلك ان إسرائيل لا تُهزم أو لن تنهزم، فما من قوي لا يهزم، ولعلها تهزم من الداخل بسوسها وبفئاتها المتصارعة وبصمود الشعب الفلسطيني على ترابه الوطني، أو بهجوم عربي شعبي مدني سلمي كاسح عليها من جميع الجهات ومهما كانت التضحيات... قارن العقلية العربية بهذه العقلية الإسرائيلية الصهيونية، تجد ان النسيان عند العرب عنوان، فقد نسينا الاسكندرون، وعربستان، وكارثة 1948، وهزيمة 1967، وغزو العراق، وما فعلته داعش من خزي وعار، وتعلقنا بتركيا وإيران، بل صرنا نصفق لهما ونبرر غزوهما واحتلالهما لوطننا وسيطرتهما على عواصمنا.اضافة اعلان