مجرد خبر في صفحة التسالي!

أدرج خبر مقتلهن المأساوي ضمن الأخبار الخفيفة والمنوعة، التي تفرد لها الصحف ووسائل الإعلام حيزا، تقدم من خلاله التسلية والفكاهة والإثارة للقراء، وتتنافس عادة على ملئه أخبار المشاهير والفنانين والجنس والجريمة! اضافة اعلان
38 فتاة، بينهن طفلات، في مكان قصي من العالم، بمملكة اكتشفت أنا شخصيا أنها موجودة في أفريقيا، واسمها "سوازيلاند"، التفتت لهن وكالات الأنباء العالمية فقط عندما تعرضن لحادث سير الجمعة، ذهبن ضحايا له، فيما أصيبت أخريات بجروح، فوجد الخبر طريقه إلى صفحات الطرائف والتسالي في الصحف العالمية.
خبر الحادث ووفاة هؤلاء الفتيات البريئات، كشف في ثناياه و"خلفياته" الجريمة الأكبر التي ترتكب بحق فتيات وطفلات هذه البلاد، في القرن الواحد والعشرين، وسط تواطؤ دولي وإنساني.
ففي الأخبار ذاتها، أن الفتيات الضحايا كن في طريقهن إلى عاصمة "سوازيلاند"، للمشاركة في رقصة "أومهلانجا ريد" أمام زعيم تلك البلاد. وهي مناسبة سنوية، تجمع لها الفتيات والطفلات من جميع أنحاء البلاد، للرقص أمام الزعيم، وهن يلبسن تنورات قصيرة، فيما صدورهن عارية، ليختار إحداهن زوجة جديدة له، تضاف إلى الزوجات الـ15 الأخريات!
الصور التي بثتها وكالات الأنباء لاحتفال سنوي سابق في هذا البلد، تظهر عشرات، أو قل مئات الفتيات، تتراوح أعمارهن بين ثمانية أعوام و22 عاما، وتغلب عليهن الطفلات، اللاتي اقتدن من بيوتهن في ليل، لإرضاء أمراض ونزوات الزعيم الأوحد.
لا أعلم، ولم أقرأ بعدها أن زعيم "سوازيلاند" أعلن الحداد العام على أرواح الضحايا البريئات، اللاتي كن "سيزين" مخدعه، ولم نقرأ بعدها إن كان الحفل الراقص "أومهلانجا ريد" في باحات القصر قد أقيم بمن تبقى من أرواح بريئة، نجت من حادث السير، ليقعن في براثن العبودية والاستغلال الجنسي وامتهان كرامة الإنسان.
ولم أسمع، أو أقرأ، أن منظمة العفو الدولية أو المنظمات الحقوقية العالمية، ناهيك عن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، قد تصدت لمثل هذا الطقس الاستعبادي للنساء، وللأطفال، في هذا العصر.
عالم غريب وبشع.. لا قرارة لبئر الشر فيه. عالم يصدمك يوميا بحجم مآسيه وجرائمه ضد النساء والأطفال والكبار. عالم ما يزال يموت فيه اللاجئون بالعشرات والمئات اختناقا في شاحنات وقوارب الموت، والاتجار بالبشر، لاجئون يهربون من موت محلي إلى موت دولي، بعد أن اشتعلت بلادهم بنار الحروب وموجات الإفقار والتجويع، من قبل الدول الغنية والكبرى، ومافيات العالم.
عالم تسترقق فيه النساء والأطفال باسم دين أو عقيدة سياسية، وتدمر فيه البيوت على رؤوس أصحابها، ليسرقها مستعمر ومستوطن من شذاذ الآفاق، أو لتتمكن الشركات العابرة للحدود من سرقة خيراتها، أو تباد فيه أحياء وقرى ليبقى الزعيم زعيما، أو تبريرا لقدوم زعيم منقذ يطيح بالزعيم الأول!
عالم يغرق بعلمه وتحضره وتطوره الفكري والتقني، بعالمه السفلي، عالم الجريمة والإتجار بالبشر، ومافيات الجنس والقتل والمخدرات والاستغلال والفساد، عالمه تحكمه قوانين الاحتكار والجشع، والمتاجرة بكل شيء. عالم يموت فيه البعض تخمة وشبعا زائدا، فيما يحصد، ذات الموت، أفواجا من فقراء ومحتاجين، ومرضى لا يجدون ثمنا لدواء. 
في عالم كهذا، لن يتوقف أحد طويلا عند مقتل 38 فتاة وطفلة في "سوازيلاند" بمجاهل أفريقيا، كن يسقن مع مئات الحيوات الأخرى إلى مذبح العبودية والاسترقاق في قصر زعيم، يعترف به العالم المتحضر، ولديه علم وجيش وسيادة! في عالم كهذا، ليس للفقيرات وعائلاتهن، إلا الرضا بموت ينجي مما هو أقسى!