مجرد كلام؟

عندما كشفنا عن قيام وزارة التربية والتعليم بترويس كل درس من دروس العلوم بآية قرآنية، وبينا حينئذ خطورة هذا المزج على كل من الدين (الإسلامي) والعلوم، ومن ذلك - مثلاً - أن وضع الآية في مقدمة الدرس العلمي يجعل العلم هو معيار صحتها، فلأنك تضعها في المقدمة فإنك تأتي بالعلم بعدها لتثبت أو توحي للأطفال/ التلاميذ بصحتها علمياً، وبهذا الترتيب تجعل الدين تابعاً للعلم ومُقيِّداً له. اضافة اعلان
وعندما تجعل الآية في نهاية الدرس العلمي فإنك توحي بالعكس، أي أن الدين هو معيار صحة العلم. وبهذا الترتيب تجعل العلم تابعاً للدين ومقيداً له، مع أن لكل من الدين والعلم استقلاله ووظيفته الخاصة، فلا يُقحم أحدهما على الآخر أو ينازعه إياها.
ترى هل فكر مؤلفو كتب العلوم في ذلك؟ وهل خطر على بال مجلس التربية عندما أقر هذا الترتيب وابتهج به؟
لا يوجد طفل، وليس إنساناً راشداً فقط، لا يعرف أن الدين دين وليس علماً مادياً، وأن العلم علم وليس ديناً روحياً، وأنه إذا تراءى لأحدهم علاقة ما بينهما فإنها قد تصبح علاقة خطرة إذا تم البحث فيها في العمق، من مثل أن المادة حسب الدين تفنى وحسب العلم لا تفنى، وأن المادة تخلق من العدم حسب الدين، بينما هي معطاة أو موجودة حسب العلم. إن النتيجة لخلط الدين بالعلم أو العكس، كما يفعل الأستاذ (العلاّمة) زغلول النجار، الوقوع في صراع فكري أو فلسفي بينهما لا نهاية له ولا فائدة.
الاختلاف أو استقلال كل من الدين والعلم وأجوبته عن الآخر ليس ناشئاً عن مصدر كل منهما فقط، بل عن وظيفته وأجوبته، فوظيفة الدين في المجتمع غير وظيفة العلم فيه، وأجوبة الدين معطاة أو معروفة وثابتة، وأجوبة العلم متغيرة ومفتوحة، ومن ثم فلا يقحم أحدهما على الآخر، ولا يحول الجامع أو المعبد إلى مختبر أو مشغل، ولا المختبر أو المشغل إلى جامع أو معبد، فعندما يريد العالِم أن يبحث فإنه يذهب إلى المختبر أو المشغل، وعندما يريد أن يصلي يذهب إلى الجامع أو المعبد. أي أن كلاً منهما يترك عمله الآخر عندما ينشغل في العمل بالأول فلا يوظف أحدهما مكان الآخر، ولا يحلّه محله.
ولمزيد من التوضيح نقول: أنت في الجامع أو المعبد تختلف عن نفسك وأنت في البيت، فأنت فيهما متعبد وفي البيت زوج أو أب، وفي المختبر باحث، وفي السيارة سائق أو راكب، وهكذا.
إن كل دور تقوم به له متطلباته الخاصة به وانعكاساته على تفكيرك وسلوكك فلا نستطيع أن تتصرف تصرف الزوج أو الأب أو الباحث في الجامع أو المعبد، أو تصرف المتعبد في المكتب أو المختبر أو المصنع أو المزرعة أو في السيارة. من يقوم بمثل هذه التصرفات يبدو فاقداً للذاكرة أو مصاباً بالزهايمر.
إننا بالفصل بين الدين والعلم نصون الدين ونحافظ على قدسيته، ونصون العلم ونحافظ  على تقدميته.
ولما كان الأمر كذلك فإننا نعلم الدين في درس الدين ونتعلمه، ونعلم العلوم في درس العلوم ونتعلمها، ولا يتحول معلم الدين إلى معلم علوم، ولا معلم العلوم إلى معلم دين، لأن كلا منهما عندئذ قد يلوي عنق العلم للاتفاق مع الدين، أو عنق الدين للاتفاق مع العلم.
هل أدركتم المشكلة والفرق والحل؟ إذا لم تدركوها فلن يبقى لكل من الدين أو العلم استقلاله واحترامه عند المتعلمين، وستمسّ قدسية الدين، وتنحط قيمة العلم بانحياز المتعلمين إلى الدين على حساب العلم، أو إلى العلم على حساب الدين.
وأخيراً: لا يحتاج الدين العريق الذي يؤمن به ملايين الناس إلى اعتراف العلم به ليبقى مقدساً، ولا يحتاج العلم إلى الدين ليبقى مكتشفاً ومخترعاً. إنهما ليسا وجهين لعملة واحدة، وإنما جاران حسنان. أقول أقوالي هذه واستغفر الله لي إن نسيت أو أخطأت.