مجلس الأمن الوطني.. افتراضات مثالية من لجنة التحديث

سامح المحاريق في لقاء على تطبيق زووم وضعت أمام الفقيه الدستوري نوفان العجارمة تخوفاتي من التطبيق الذي ستؤول له الأوضاع في حال تبني مقترحات لجنة التحديثات السياسية، ورأيت أن مجلس الأمن الوطني، ليس كافياً للتعامل مع المطبات الهوائية التي ستواجه الحكومة البرلمانية مستقبلاً، بل وستهدد بسقوطها بصورة مريعة، الأمر الذي شاهدناه في مصر وما نزال نتابعه في تونس، وأعادني العجارمة إلى السؤال عن الإصلاح الإداري الذي لن يكون للإصلاح السياسي أي معنى أو نتيجة من غير الاشتباك معه بصورة جدية وجريئة وسريعة، وهو الأمر الذي استدعى إلى ذاكرتي حديث أحد رؤساء الوزراء السابقين عن الطائرة الخربة التي تمثلها الحكومة الأردنية. أنا لا أخشى أن تتورط أي حكومة في قطع العلاقات مع دولة أخرى، حيث يمثل ذلك أحد الأمثلة الشائعة عند الحديث عن مجلس الأمن الوطني، أكثر بنود التعديلات الدستورية إثارة للجدل، فهذه أمور استثنائية، ولكن ما سيحدث بصورة شبه مؤكدة يتمثل في عدم قدرة الأحزاب والمنتجات السياسية الفاعلة من التعامل مع البيروقراطية الأردنية، وهو ما سيحدث نوعاً من الخيبة تدفع إلى مطالبات كثيرة بترحيل الحكومات التي أتت من صناديق الاقتراع قبل أشهر في السيناريو الافتراضي، كما حدث في تونس ومصر وبعد وقت أطول كما حدث في المغرب، فالحكومات لن تستطيع وفقاً للبنية الحالية أن تضطلع بإدارة طويلة المدى تجني من خلالها ثماراً اجتماعية للمواطنين الذين سيغلبون الجانب المعيشي على أي اعتبارات أخرى. الأزمات لن تكون عارضة مع حكومات منتخبة، فهي جزء أصيل من الإدارة العامة في الأردن، ولذلك التقط العجارمة هذه المخاوف وتحدث عن المماطلة والتسويف في الإصلاح الإداري، داعياً إلى ضرورة العمل على وجود مسار عاجل لضخ دماء جديدة في الجهاز الحكومي يمكنها أن تطبيق الرؤية السياسية للحكومة المنتخبة، وما كنت أعتبره في بداية حديثه تهرباً ذكياً من الإجابة اتضح مع تقدمه في شرح المشهد مدى الترابط الجوهري بين حديثه ومداخلتي، ففي الحقيقة، ووفقاً لما أفهمه، يجب أن يتم إصلاح الطائرة في البداية، فأفضل طياري العالم لا يمكنهم أن يقلعوا بمحركات معطلة. كما أسلفت، فالأزمات ستكون جوهرية، أي أنها ستستغرق الأداء الحكومي، ولن تكون حدثاً يظهر بين ليلة وضحاها. وتجنباً لحالة تململ اجتماعي يمكن أن تنقلب إلى غضب وحراك واسع، يتطلب ذلك أن تناط بالملك صلاحيات مطلقة وغير مشروطة بإقالة الحكومة من خلال رسالة يوجهها لمجلس النواب، ويمنح المجلس فترة من الوقت لتشكيل حكومة أخرى، وإذا كانت نتيجتها غير مرضية هي الأخرى، ترحل مع المجلس نفسه لمدة ستة أشهر تنعقد بعدها انتخابات جديدة. عند حديثه عن تطور الدستور الأردني، وأربعة عشر تعديلاً دستورياً في تاريخه، طرح نوفان العجارمة الحكومة المؤقتة التي مثلت أحد الحلول وكان يمكن اللجوء لتشكيلها بعد رحيل حكومة سليمان النابلسي في 1957 إلا أن التذرع بالأوضاع الإقليمية والضغوطات من مصر وسورية والعراق للسيطرة على الورقة الأردنية أخذ يشكل حائلاً صلباً أمام العودة إلى المسار الديمقراطي، وتداخلت النخب السياسية التي تشكلت في تلك المرحلة من أجل وضع العوائق الحقيقية والافتراضية أمام أي تفكير في استعادته. مجلس الأمن الوطني هو أداة مقترحة، وكأي أداة أخرى يمكن أن يوظف لعرقلة الديمقراطية أو لتحصينها، ولكنه عبء مؤسسي جديد، ولا يمكنه أن يؤدي دوره الكامل لأن تصوراتنا عن أداء الحكومات مرتبط بخبرات سابقة بعيدة عن المسارات الطبيعية لمراحل التحول الكبيرة، وفي هذه المراحل يتوجب أن تظهر بوضوح الكتلة الحرجة للتغيير (المواطنون) والتي ستتشكل بعد مد وجزر متواصل لسنوات، وأن يكون عِنان التجربة في عهدة الملك ضمن إطار دستوري واضح وديناميكي. أعتقد أن الأردن يمتلك من الخبرات الدستورية من ناحية ما يلزم من قامات لترويض الافتراضات المثالية للجنة التحديث، ويمتلك أيضاً الخبرات الضرورية للإصلاح الإداري وهي التي ستمكن من الانطلاق بإصلاح سياسي حقيقي يتلمس المواطنون ثماره. بين طائرة غير قادرة على الإقلاع وأخرى نخشى سقوطها، نحتاج إلى كثير من المخيلة.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان