محادثات التقارب

 

يديعوت - مقال افتتاحي

بقلم: يوعز هندل

 مرة أخرى زيارة مبعوثين أميركيين، محققي سلام مواظبين. مرة أخرى إعلانات عن محادثات مع الفلسطينيين، ومرة أخرى خطابات ترمي الى ضمان ما لا يمكن تنفيذه. ومثلما في مسرحية سبق أن شوهدت عشرات المرات - الزوار والمضيفون، يهزون رؤوسهم موافقين، الصحف مليئة بالعناوين الصارخة، السياسيون يلمحون، والكلمات (تلك التي يفترض بها أن تحدث التغيير) غامضة وعالية لدرجة أنها تختفي في الفضاء من دون أن تلتقط.

اضافة اعلان

 وليس هناك من يشير ويقول بالفم المليء إن ليس كل مشكلة تحل في حديث.

 متى بالضبط أصبحنا منتجي وهم سلام؟ متى بالضبط أصبحنا مستهلكي "زيارات الكبار"، و"اللحظات الكبرى" عديمة كل معنى؟ كيف حصل بالذات أن اليسار القديم ذاك الذي حلم ذات مرة بمحادثات وحل وسط، يشجع تنمية الجهل الموسمي هذا؟ من أي مصدر تخرج الدعوات المكفهرة للقفز الى العربة، لاستغلال الفرصة التي لا تعود، لإبداء الجدية وباقي أنواع الاقتراحات، في الوقت الذي واضح فيه للجميع بأن هذه مجرد مسرحية؟

هم يأتون الى هنا، الميتشيليون، ببدلاتهم الغامقة الباهظة الثمن، ينظرون إلينا نظرة لاذعة مليئة بالحكمة والمال. يزورون الزعماء، يزاودون أخلاقيا بعض الشيء، يهددون أحيانا، ولكن دوما في النهاية يطيرون عائدين بأياد فارغة ومن دون أن ينجحوا في أن يفهموا من أين حقا سحب البساط الأحمر من تحت أقدامهم.

 هذا ليس هم، بل نحن. منظمات إسرائيلية هي التي تشجع الصناعة المتفرعة للسلام، الضغط على اسرائيل والفلسطينيين - في تضارب تام مع المصلحة المشتركة في تهدئة المنطقة. زعماء إسرائيليون هم أولئك الذين يتحدثون بالإنجليزية عن حلول لا يمكن لأحد أن يطبقها.

 الأميركيون يبيعون أضغاث أحلام، ولكن هذه أنتجت هنا. في كل مرة يصعد فيها رئيس وزراء إسرائيلي الى منصة الخطابة ويكرر كالببغاء إملاءات البيت الأبيض، فإن السلام الحقيقي يبتعد أكثر فأكثر. في كل مرة يجد فيه زعيم فلسطيني نفسه مكبلا بطاولة المباحثات، تكون الاحتمالات كبيرة للعنف المتجدد. من حقا يريد هنا السلام، يجدر به أن يكف عن ربطه بكلمة "الآن". هيا نبدأ في إدارة هذا النزاع، ومن هناك ننتقل الى الحالة الطبيعية نسبيا، وبعد ذلك يكون ممكنا احتساء القهوة والحديث حول الطاولات الفاخرة.

السنتان الأخيرتان كانتا طيبتين لعلاقات إسرائيل والفلسطينيين. كتائب الجنرال دايتون الأميركي تنتشر في المنطقة، التعاون معها معقول، وفي هذه الأثناء في الجيش الإسرائيلي يحرصون على ملء ثغرات الطرف الآخر - سحق الإرهاب، وبالأساس المعارضة لأبو مازن من حماس. السبب الوحيد في وجود هدوء نسبي هو أن الأميركيين ومحبي السلام الإسرائيليين نزلوا عن أكتافهم لفترة زمنية طويلة. من دون محادثات، من دون مبادرات بعيدة المدى ومن دون محاولة تحويلهم الى ما لا يفعلونه. الهدوء بدلا من الحديث عن الهدوء. هذا كان كل ما يحتاجونه كي يبدأوا بالعمل على الأرض، بتعزيز قوة فتح، ببناء أجهزة حكم جديدة، مؤسسات قيادية.

 المحادثات معناها قرارات حاسمة سياسية، وهذا ما هم غير مستعدين له. ولن يكونوا مستعدين له في العقد القريب المقبل. حتى وإن لم يكن هناك في صباح غد أي مستوطن في السامرة، فإن أبو مازن لن يكون قادرا على أن يتخلى عن حق العودة، عن القدس. تعليم السلام، الحل الوسط السياسي، يستغرق جيلا وأكثر. في هذه الأثناء ينشغل الفلسطينيون بالبقاء فقط. إذا كان اليسار الحالم يحتاج الى الفياغرا الدورية له - المحادثات، الزيارات ومبادرات السلام الجديدة - فليتفضل ليجدها في نزاعات أخرى. هنا نحتاج بالإجمال الى هدوء نسبي. أما السلام فبعد ذلك.