محاكمات شاهد هندي: كيف علق رجل مسلم في كابوس قانوني (3-3)‏

نزار أحمد في منزله في دلهي - (المصدر)
نزار أحمد في منزله في دلهي - (المصدر)
‏‏ترجمة: علاء الدين أبو زينة راهول بهاتيا‏* - (الغارديان) 2/3/2023كاد نزار أحمد أن يقتل في أعمال الشغب في دلهي. ولكن، عندما أصبح شاهدًا في قضايا في المحكمة ضد الجناة المزعومين، أدرك أن ذلك لم يكن سوى بداية مشاكله.‏ * * * جاءت لحظة أحمد أخيرًا ليدلي بشهادته أمام المحكمة بعد ظهر ذلك اليوم. وقف المتهمون، وجميعهم من الشباب، خلف الحاجز القوسي الخشبي. وخُصص لكل منهم شرطي أمسك بيده. لم تكن هناك أصفاد، وإنما أصابع متشابكة فقط. (جاء هذا الترتيب الغريب نتيجة لحكم المحكمة العليا بأنه لا يمكن تقييد أيدي السجناء إلا إذا كانوا يشكلون خطرًا جسيمًا).‏ ‏ جلس أحمد في المقدمة، في مواجهة القاضي -لقد مر 887 يومًا منذ هروبه من منزله في تلك الليلة، والآن سيجري اختبار ذاكرته. سأل القاضي براماشالا عن عنوان أحمد، ثم طلب منه الإدلاء بشهادته.‏ ‏ بعد أن توقف أحمد لفترة طويلة، اندفع إلى سرد قصته، كما لو أنه يخشى أن يتم نقل القاضي في منتصف الحكم. تحدث عن الموكب، والهتافات على الجسر، والهجوم على منزله، وهروبه. وأثناء استجواب القاضي له، اعترف بوجود أشياء لا يعرفها. قال، على سبيل المثال، إنها كانت هناك فوضى ونهب طوال الليل. وقال القاضي: "كيف عرفت أن هناك نهبًا إذا كان الظلام سائدًا؟ كن محددًا. عليك أن تخبرني بما رأيته بعينيك، أو سمعته بأذنيك، أو شممت رائحته بأنفك، أو ذقته بلسانك، أو شعرت به على جسمك. أمسك هذه الحقيقة في قبضتك وأجب".‏ ‏ تطلب كل سؤال من أسئلة القاضي سرد رواية قصصية واضحة، لكن الإيجاز لم يأت بسهولة إلى أحمد. كافح ليكون دقيقًا. نسي نصيحة القاضي. وتجول في روايته. لم يكن هناك أي استعداد لدى الشاهد، ولم يحاول محامو الادعاء إخبار شاهدهم بما يمكن توقعه. (أخبرني محامي الدفاع الجنائي أنه بموجب القانون الهندي، يعتبر إعداد الشاهد تدخلاً في الشهادة).‏ ‏ بجانب أحمد، على بعد لا يزيد على أربع أقدام، وقف المتهمون في قفص الاتهام. في ليلتي 25 و26 شباط (فبراير) 2020، وفقًا لقضية الادعاء ضدهم، زُعم أنهم شكلوا جزءًا من مجموعة "واتساب" تضم ما يصل إلى 125 عضوًا. وكانت محادثاتهم الهاتفية جزءًا من لائحة اتهام الشرطة. ويُزعم أن أحد المتهمين كتب عن قيام "فريقه" بقتل اثنين من "الملالي". وسأل آخر عما إذا كان لدى أحد رصاصات لـ"315"، وهو مسدس هندي‏‏. ‏وقال ثالث: "أيها الإخوة... إذا كان لدى أحد أي مشاكل، أو إذا وجدتَ نفسك تعاني من نقص في الرجال، أخبرني. سأحضر فريقي بأكمله. لدينا كل ما تحتاجه. الرصاص والبنادق وكل شيء".‏ تصرف الرجال في قفص الاتهام كما لو أن جلسات الاستماع لا علاقة لها بهم. همسوا في آذان بعضهم بعضا وضحكوا. ومع مرور ساعات اليوم، أصبحوا مضطربين. تثاءب أحدهم، وفتل شاربه، وعبث آخر بأنفه. كل بضع دقائق كان واحد منهم يحدق في الساعة المعلقة فوق رأسي. كان أحد المتهمين "سجينًا ذا قيمة عالية"، كما أخبرني منسق أمني متوتر. كان هذا السجين يضع لونًا قرمزيًا على أذنيه، وهي علامة دينية، وكان زر قميصه العلوي مفتوحًا. وقد لفت الانتباه إلى نفسه بالطريقة التي وقف بها، فبدا وأنه يتبختر متباهيًا حتى من دون أن يتحرك. كان بعض رجال الشرطة يمزحون معه من حين لآخر. وفي إحدى المرات، أخلى شرطي كرسًيا له. وفي حالة أخرى، طلب السماح لأصدقائه بالجلوس بجانبه. كانت الشرطة متسلية بإجابة مطالبه، وفعلت كل ما قاله. وعندما لا يكون القاضي في قاعة المحكمة، كان يبقي قلنسوته على رأسه. ‏ بحلول نهاية اليوم، بدا أحمد مستنفدًا تمامًا بسبب محاولة استحضار أحدث ليلة الهجوم. لاحظ براماشالا: "أحمد، أخي، كن شجاعا وكن متفائلا"، قال له القاضي. "هناك في الحياة مرتفعات ومنخفضات. أنت الآن في الأسفل، ولكن هناك سلالم في الحياة أيضًا".‏ * * * ‏بدأ اليوم التالي من جلسات الاستماع مثل بقية الأيام، وقد ارتسم تعبير رزين مستسلم على وجه القاضي براماشالا، كما لو أنه يتساءل عما فعله ليستحق هذا المصير. وكان المدعي العام قد قدم قرصًا مُدمجا كدليل، ولكن تبين أن القرص لم يكن يحتوي سوى على لقطات شاشة من مقاطع فيديو لأعمال الشغب، وليس لقطات الفيديو الفعلية. "من سيتحقق من أين جاءت لقطات الشاشة هذه"؟ سأل براماشالا. ولم تكن هناك إجابة مُرضية على وشك القدوم.‏ ‏ في هذه الفترة من الهدوء، أمسك أحد محامي الدفاع بميكروفون، وقال للقاضي إن شهادة أحمد في اليوم السابق لم تجرم موكليه. وأجاب القاضي ضاحكًا: "امنحها الوقت، امنحها الوقت".‏ ‏ مر اليوم بكسب ووجدت انتباهي يتجول هنا وهناك -حتى لحظة في فترة ما بعد الظهر عندما انجذب كل شيء إلى نقطة تركيز. سأل براماشالا أحمد عن الرجال الذين قال إنه شاهدهم يقومون بأعمال شغب. "هل يمكنك التعرف عليهم في قاعة المحكمة هذه؟‏". ‏ صمتت الغرفة بينما وقف أحمد ببطء واتخذ خطوات غير واثقة نحو الرجال في قفص الاتهام. أدار رأسه إلى القاضي، غير متأكد من مدى القرب الذي ينبغي أن يصل إليه. "لا تقلق"، قال القاضي والمحامون، وشجعوه بلطف على المضي قدمًا.‏ ‏جعل قُرب أحمد من الرجال شهادته تنبض بالحياة. توقف المتهمون عن الكلام والضحك، وبدلاً من ذلك راقبوه. وقف قريبًا جدًا حتى كانوا يستطيعون لمسه. وكان التناقض صارخًا: كان أحمد أكبر من أكبرهم سنًا بـ20 عاما على الأقل، وهو يقف منحنياً ويتحرك بشكل يعوزه اليقين، بينما وقف الذين في المقدمة منهم متوترين. أشار أحمد إلى الرجل الأقرب إلى القاضي، ونظر في وجهه ونطق باسمه. طلب القاضي من المتهم تأكيد اسمه. ثم أشار أحمد إلى المتهم التالي وسمّاه، وتكررت العملية. وبعد أن أشار أحمد إلى تسعة منهم، توقف وقال للقاضي إنه يتعرف على البعض منهم من وجوههم فقط.‏ ‏ كانت اللحظة إجرائية، لكن شيئًا ما كان قد تغير. حولَت عملية التسمية الرجال من مجموعة غامضة من المشتبه بهم، "المتهمين"، إلى أشخاص حاضرين فجأة في الغرفة.‏ ‏ كان الوقت قرب نهاية اليوم، وأعلن القاضي أن الدفاع سيستجوب أحمد في صباح اليوم التالي؛ لم يكن عبء الانتباه قد غادره بعد. جلس أحمد ومسح جبينه. وفي وقت لاحق من تلك الليلة كتب لي. "لقد تحدثت بتردد ولفترة طويلة لدرجة أنني نسيت بعض الأشياء. وأنا أيضًا قلق بعض الشيء من أن يتم إطلاق النار علي".‏ * * * ‏في صباح اليوم التالي، بدأ الاستجواب بحشد من المحامين يزدحمون حول أحمد، الذي جلس في مقدمة الغرفة. نظر المحامي الأول إليه وسأله عن المدة التي قضاها في بهاجيراثي فيهار، وعما إذا كان متجره مفتوحًا أم مغلقًا، وما إذا كان لديه عاملون، وما أسماؤهم، وما أسماء آبائهم. وسأله محام آخر عن اتساع الطريق خارج منزله. وسأل أحدهم كم يبعد الجسر عن منزله. وأصر أحدهم على أن أحمد يعاني من قصر النظر. وسأل أحدهم عن عدد الكاميرات الموجودة في هاتف أحمد النقال.‏ ‏ ربما يكون أحد مشاهدي البرامج القانونية قد قرأ بعض العبقرية في عبارات الاستجواب هذه: الاستعلام الافتتاحي غير المؤذي الذي يريد أن يوقع الشاهد في الفخ. يمكنك أن تتخيل الطريقة التي قد تتطور بها الحجة، بالطريقة التي تدفع بها أحمد تدريجيًا إلى زاوية، وتجبره على الاعتراف بأنه لم يكن موجودًا، وأنه لم يكن يستطيع رؤية الجسر من منزله، وأن بصره لم يكن يمكن الاعتماد عليه، وأنه دُفع إلى كلِّ هذا من آخرين.‏ ‏ لكن أسئلة المتابعة لم تؤد إلى أي مكان. كان المحامون يكررون أسئلتهم ويسألون عن نقاط عدم الصلة بلهجة انتصارية، وهي النقطة التي يعبر فيها القاضي عن عدم موافقته على أسئلتهم. طرح المحامي الذي أعلن لي أنه سيحول أحمد إلى دمية مهترئة سلسلة من الأسئلة المتعلقة بالسلم الذي مكَّن الأسرة من الهروب، ولكنه لم يصل إلى أي نتيجة. لم تكن هناك دمية ممزقة مهترئة في نهاية الأمر.‏ ‏ عند الساعة 4:11 مساءً، أغلق القاضي القضية في ذلك اليوم. ولم يتضح ما إذا كان عمَل أحمد في هذه القضية قد انتهى. خرج ومرر أصابعه خلال شعره. شعر بالارتياح، وتم تخفيف مرافقة الحماية التي تصاحبه أيضًا، لأن المتهمين لم يعودوا موجودين في المبنى.‏ ‏ كثيرًا ما قال أحمد إن الرجال الخطرين حقًا، أولئك الذين بدأوا كل شيء، لم يكونوا في أي مكان قريب من المحكمة. قال أحمد إنهم شجعوا جنود المشاة هؤلاء أثناء أعمال الشغب -رآهم يفعلون ذلك بعينيه. وقال أحمد إن هؤلاء المنظمين كانوا يحضرون بانتظام الاجتماعات التي تعقدها "راشتريا سوايامسيفاك سانغ"، المجموعة شبه العسكرية المرتبطة بحزب "بهاراتيا جاناتا"، لكنهم ما يزالون أحرارًا. كنا قد بدأنا في مناقشة هذا الأمر عندما تحدث الشرطي المرافِق.‏ ‏ "ومن تعتقد أنه سيقبِض عليهم؟" سأل. كانت الفكرة، كما أوحت لهجته: ‏‏الشرطة؟ تلاحق الأشخاص الذين يقدمون تقاريرهم إليها؟‏‏ ‏‏لا بد أنك تمزح.‏ * * * ‏انتهى شهر آب (أغسطس)، وجاء أيلول (سبتمبر) وذهب، وانطوت صفحة العام. وبحلول منتصف شباط (فبراير) 2023، لم تكن هناك أي أخبار عن القضية. مرت ثلاث سنوات تقريبًا على أعمال الشغب، لكن أحمد لم يبد قلقًا، الآن بعد أن أصبحت شهادته مسألة سجل قانوني. قال لي: "سوف أساعد الناس. سوف أفعل ما أستطيع. سوف أجمع الهندوس والمسلمين معًا. لقد اتخذت قراري".‏ ‏ تساءل عن سبب عدم تحرك المزيد من الناس إلى العمل كما يفعل هو. في محادثاتنا، تخيلَ في بعض الأحيان سيناريوهات يتمكن فيها من إقناع الهندوس العاديين بمراجعة وجهات نظرهم. سوف يبدأ بالاعتراضات الأخلاقية، بالحجج التي ربما تخاطب إنسانيتهم، لكنه بعد ذلك يغير المسار ويشير إلى أن الكراهية تدمر الاقتصاد. ترى الهند نفسها الآن بين الدول الرائدة في العالم. لكنها أيضًا مكان يمكن فيه تدمير منزل أو عمل تم بناؤهما على مدى عمر كامل في دقائق. وتساءل: "كيف ستتقدم البلاد بهذه الطريقة؟"، ربما يكون من شأن ذلك أن يحرك الناس، كما اعتقد. إذا لم ينظروا إليه كجزء من الأمة الهندية، فربما يعترفون به كترس في ماكينة الاقتصاد؛ كشخص يمكن أن يسهم في ازدهار البلاد. ولكن حتى هذا الدور المختزل، كما شعر في بعض الأحيان، لم يكن كافيًا لهذه الهند الجديدة.‏ في أحد أيام الخريف الماضي، تلقيت مكالمة محمومة من أحمد، يخبرني فيها أن هناك المزيد من خطابات الكراهية في شمال شرق دلهي. وبعد بضعة أشهر، بعد اكتشاف جثتي رجلين مسلمين مختطفين في سيارة محترقة، أصيب بالذهول. في هذه المرحلة، كنت قد عرفته لمدة عام ونصف، ومع ذلك ظللت مندهشًا من قدرته على الشعور بالصدمة مما يعرفه، من بين جميع الناس، أفضل من أي شخص آخر. لقد اختبر بنفسه، ورأى رأي العين ومباشرة، الكراهية التي استهلكت حيه. ومع ذلك، كل مرة واجهها فيها من جديد، فوجئ وانصدم من أن الناس يمكن أن يتصرفوا على هذا النحو. في بعض الأحيان فكرت في هذا على أنه سذاجة أو إنكار. لكن رفض رؤية الكراهية العنيفة كأمر طبيعي كان أيضًا نوعًا من الجلَد والثبات. بعد كل شيء، لا يوجد فرق حقيقي بين الهندوس والمسلمين في الهند، كما قال. إنهم يأكلون الطعام نفسه ويشربون الماء نفسه ويعيشون على الأرض نفسها. "فلماذا الهندوس-المسلمون إلى هذا؟". ‏ عندما قدم التماسه لأول مرة في العام 2020، أخبره الموظف المحلي المسؤول عن المنطقة أن القضية ستستغرق 15 أو 20 عامًا حتى تنتهي. "أعتقد أنه قال ذلك لإخافتي. لكنني أخبرته أن هذا لا يهم، لأن الله أنقذ حياتي لسبب ما"، قال أحمد: "طالما أنا موجود، سوف أحارب من أجل هذه القضية".‏ ‏*راهول بهاتيا Rahul Bhatia: صحفي وزميل في معهد رادكليف للدراسات المتقدمة في جامعة هارفارد. شارك في تأسيس منصة الصحافة، Peepli.org.‏ *نشرت هذه القصة الإخبارية تحت عنوان: The trials of an Indian witness: how a Muslim man was caught in a legal nightmare اقرأ أيضا في ترجمات اضافة اعلان

محاكمات شاهد هندي: كيف علق رجل مسلم في كابوس قانوني (1 – 3)‏

محاكمات شاهد هندي: كيف علق رجل مسلم في كابوس قانوني‏ (3-2)

محاكمات شاهد هندي: كيف علق رجل مسلم في كابوس قانوني (3-3)‏