محتكرو التعليم

راغورام راجان وبريان باري*

مثله مثل العديد من القادة الغربيين هذه الأيام، جعل الرئيس الأميركي باراك اوباما من تحسين التعليم أحد وعوده الرئيسة للناخبين خلال حملته الانتخابية. لكن كانت هناك قضايا داخلية أكبر تلوح في الأفق أيضا؛ الإصلاحات في قطاع الرعاية الصحية، ومعارك الموازنة، والبطالة المرتفعة. إن الولايات المتحدة الأميركية ليست لوحدها في ذلك، فإصلاحات التعليم قد تأخرت في المملكة المتحدة وبقية أوروبا أيضا.اضافة اعلان
ويبقى تحسين التعليم أحد أوضح الطرق التي يمكن للحكومات تبنيها من أجل إحداث أثر اقتصادي إيجابي دائم. إن وجود نظام تعليمي فعال يعتبر أكثر الطرق فعالية في مساعدة الناس، وذلك عن طريق تزويدهم بالمعرفة والمهارة اللازمة من أجل تحسين دخلهم والمنافسة في اقتصاد العولمة. ومفتاح نجاح مثل هذا النظام هو تعزيز الدور الذي يمكن أن تلعبه المنافسة من أجل تقديم تعليم أفضل للطلبة. هذا يعني بالطبع النظر في الدور الذي تلعبه نقابات المعلمين أيضا، وهي قضية يتم التعامل معها بشكل مختلف تماما من قبل اليسار واليمين. فبالنسبة لليسار، يشعر كثيرون بالقلق من أن الرئيس أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ورئيس الوزراء السويدي فريدريك راينفيلدت وغيرهم من القادة، أصبحوا يركزون فعليا على زيادة المساءلة: هم ينظرون إلى أي إصلاحات تعتبر المعلمين جزءا من المشكلة بعيون الشك. أما اليمين، فعادة العكس هو الصحيح؛ فأي سياسة –مثل سياسة القسائم التي تصدرها الحكومة– يجب أن تكون جيدة لأن المعلمين يعارضونها.
إن من الصعب إيجاد أرضية مشتركة في خضم مثل هذا الجدل إذا كان كلا الطرفين يختلفان بشكل كبير على المبادىء الأساسية. لكن المنافسة هي المبدأ الذي من المفترض أن يحصل على دعم سياسي واسع، نظرا للمنافع التي تعود على الناس العاديين. والعديد من الناس الذين يؤمنون بفكر اليسار هذه الأيام يشعرون بالارتباك على وجه الخصوص فيما يتعلق بمزايا المنافسة، كما أن مقاربة العديد من التقدميين فيما يتعلق بالتعليم هي مثال ممتاز على ذلك.
إن اليسار في الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، يستعيد بحنين ذكريات البرنامج الحكومي لفرانكلين روزفلت ومفهوم الحكومة الكبيرة الراعية خلال فترة الكساد الكبير وما بعد ذلك. لكن اليسار يجب أن يتعظ أيضا مما حصل في أوائل القرن العشرين خلال المرحلة التقدمية التي انتشرت فيها قوانين محاربة الاتحادات الاحتكارية.
ومن الأسباب التي بموجبها تم اعتبار الشركات الكبرى بمثابة تهديد في ذلك الوقت هو سلطتها الاحتكارية المتعلقة بالأصول، والتي تعتبر حيوية للعديد من الأميركيين العاديين. لم يكن المزارعون راغبين في أن يدفعوا مبالغ كبيرة من أجل نقل محاصيلهم للسوق، وكانوا يكرهون قوة السوق عند مؤسسة السكك الحديدية. أما العمال، فقد كانوا يرغبون في أن يتنافس اصحاب العمل من أجل الظفر بخدماتهم، وذلك عن طريق عرض أجور أعلى وظروف عمل أفضل. لقد حارب هولاء ضد الاتحادات الكبرى للشركات التي كانت تهدد باحتكار القدرة على الوصول إلى رأس المال الفعلي، أي المصانع والآلات والمعدات التي كان يحتاجها العمال حتى يصبحوا أكثر إنتاجية.
إن السياسة تعادل في أهميتها السياسات، أي إنه عندما تتمتع الشركات الكبرى بنفوذ التسعير مع النفوذ السياسي، فإن تلك الشركات تصبح أكثر تهديدا. والخوف من أن تضر الشركات الكبرى بالرعاية العامة عن طريق الحد من المنافسة – وكان عندها قوة سياسية كافية من أجل ترسيخ قوة الاحتكار لديها- سمح للإصلاحيين من اليسار واليمين بإيجاد أرضية مشتركة. التقدميون العصريون الذين كانوا يدرسون المشهد الاقتصادي والسياسي في السنوات القليلة الماضية يعتقدون أن هناك إمكانية لهجمة أخرى على الشركات الكبرى، أي الجمع بين الغضب الشعبي مع القوة السياسية لليسار المنظم مثل نقابات العمال. لكن بينما يعود شعور التقدميين بالنفور من الشركات الكبرى إلى رغبتهم في احترام جذورهم الفكرية، فإن هؤلاء فشلوا في التعامل مع مسألة المنافسة.
بخلاف ما كان يحصل قبل قرن، عندما كانت حرية الوصول لرأس المال الفعلي هي الطريقة الأكثر وضوحا من أجل تعزيز إنتاجية ودخل العامل، فإن أفضل الأصول التي يمتلكها المواطن العادي هذه الايام هي التعليم. لكن بدلا من حث المدارس والمعلمين على منافسة بعضهم بعضا بالنيابة عن الطلبة (عمال الغد)، يصر العديدون على الدفاع عن احتكار المعلمين لحرية الوصول للتعليم، أي حرية الوصول للاستثمارات في القوى البشرية من أجل تعزيز الدخل. ووضع نقابات المعلمين في العديد من البلدان يشبه وضع الصناعيين الأوائل، من حيث أن تلك النقابات لديها النفوذ السياسي الكافي من أجل مقاومة الإصلاحات التي تقلل من قوتها الاحتكارية.
إن بعض النقابات أصبحت تفهم الحاجة للتغيير، أو على الأقل تقديم تنازلات. ففي ولاية إلينوي الأميركية، قامت نقابات المعلمين مؤخرا بدعم مشروع قرار يتضمن أحكاما تصعّب من عملية الإضراب، وتسهل من التخلص من المعلمين الفاشلين. لكن لاحقا لذلك سحبت نقابة معلمي شيكاغو دعمها للمشروع.
بالطبع، فإن اللجوء فقط إلى تخفيف قبضة النقابات على السياسات، وإيجاد الطرق من أجل إتاحة الفرصة للمعلمين والمدارس للمنافسة على توفير أفضل التعليم، لن يوفر المعرفة والمهارات التي يحتاجها العمال العصريون. يجب على الإصلاحيين أن يستمروا في تجاربهم من أجل إيجاد الطريقة الصحيحة لقياس المستويات -للتحقق من أن المعلمين يتنافسون طبقا للأبعاد الصحيحة- وتوفير أنواع عديدة أخرى من الابتكارات التنظيمية والدعم، والتي تحتاجها المدارس والمعلمون والطلبة. 
من الواضح أن المزيد من المنافسة هي جزء من الحل من أجل التقدم للأمام. وإن قبول التقدميين لذلك يعني أن بإمكانهم تحقيق إجماع مع الوسطيين، والمساعدة في تحقيق نتائج أفضل لشريحة أساسية من المجتمع، أي العمال العاديين. لقد حان الوقت لهولاء التقدميين أن يقروا بأنهم كانوا مخطئين في الدفاع عن وجود جهة احتكارية قوية، لأن مثل هذه الجهة الاحتكارية هي التي تؤخر تقدم العمال.
*أستاذان جامعيان في كلية بوث لإدارة الاعمال بجامعة شيكاغو.
خاص بـ"الغد" بالتنسيق مع بروجيكت سنديكيت.