محدوديات نهج "قطع الرأس": قتل كبار قادة الإرهابيين لا يكفي

ديفيد إغناتيوس –
(واشنطن بوست) 5/3/2015
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

الجنرال جون إلِن، المتقاعد من البحرية الأميركية الذي ينسق الحملة ضد "الدولة الإسلامية"، قدم إيجازاً متفائلاً أمام الكونغرس الأسبوع الماضي. وقال إن المجموعة، نتيجة للضربات الجوية التي نفذتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، "فقدت نصف قيادتها المقيمة في العراق، والآلاف من مقاتليها".اضافة اعلان
"قطع الرأس" هو المصطلح الغرافيكي لوصف هذه الاستراتيجية القائمة على قتل قادة الجماعات الإرهابية. وقد تبنت الولايات المتحدة هذا النهج ضد تنظيم القاعدة، وبشكل أكثر درامية في قتل أسامة بن لادن في العام 2011، حيث افترض العديد من المحللين الأميركيين أن هذه الاستراتيجية تعمل. كما جعل الرئيس أوباما من هذه الأطروحة محوراً لحملة إعادة انتخابه في العام 2012.
لكن تحذيراً متشككاً في فعالية استهداف كبار قادة المنظمات يأتي من جينا جوردان، التي تعمل أستاذاً مساعداً في كلية سام نان للشؤون الدولية في معهد جورجيا للتكنولوجيا. وكانت قد أفصحت عن نقدها أول الأمر في مقال نشر في العام 2009 في مجلة "الدراسات الأمنية" تحت عنوان "عندما تتدحرج الرؤوس: تقييم لفعالية قطع رأس القيادة".
في ذلك المقال، كتبت جوردان بصراحة: "إن قطع الرأس ليس استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب". وقالت إن قتل كبار القادة "لا يزيد من احتمال الانهيار التنظيمي"، وإن "الأكثر ترجيحاً أن يكون لقطع الرأس آثار عكسية في المنظمات الدينية والانفصالية الأكبر حجماً والأقدم عمراً".
إن استمرار تنظيم القاعدة القاتل، في شكل التوابع والفروع المتحولة مثل "الدولة الإسلامية"، هو تحذير بأن القضاء على مجموعة إرهابية يماثل في صعوبته قتل السرطان. وقد خرجت مجموعة "الدولة الإسلامية" من جمر تنظيم القاعدة في العراق، وهو مجموعة كان يبدو أنها قد دمرت تماماً في أعقاب زيادة عديد القوات الأميركية في العراق في العام 2007 والعام 2008. وقد قُتل زعيمه أبو مصعب الزرقاوي، ولكن مستنسخه في  مجموعة الدولة الإسلامية "الخليفة" أبو بكر البغدادي، يبدو أكثر سمية وفتكاً.
بتحليل 298 حادثة في الأعوام من 1945 إلى 2004، وجدت جوردان أن قتل زعيم مجموعة أسفر عن انهيارها في 30 في المائة فقط من الحالات. وفي حالة المنظمات الدينية، انهار أقل من 5 في المائة منها بعد قتل الزعيم. وبشكل عام، كانت المنظمات في الواقع أكثر عرضة للانهيار إذا نجا قادتها.
تعززت هذه الحجة الإحصائية ببعض دراسات الحالة. ولاحظت جوردان، على سبيل المثال، أن إسرائيل دأبت على قتل كبار قادة "حماس" منذ منتصف التسعينيات من دون النيل من قوة هذه المجموعة. "لم يقتصر الأمر فقط على أن حماس ظلت قادرة على مواصلة أنشطتها في مواجهة الهجمات المتكررة ضد قيادتها، وإنما اكتسبت قوة جديدة مع استمرار الانتفاضة". وقد أظهرت مجموعة حرب العصابات "القوات الثورية المسلحة الكولومبية "فارك" مرونة مماثلة.
في العام الماضي، قامت جوردان بتحديث تقييماتها المناقضة في مقال بعنوان "مهاجمة القائد، عدم إصابة العلامة" في مجلة "الأمن الدولي". وفي هذه المرة، ركزت على حملة قطع الرأس التي امتدت عشر سنوات ضد تنظيم القاعدة في أعقاب هجماته على الولايات المتحدة في 11 أيلول (سبتمبر) 2001. ووجدت جوردان أن الولايات المتحدة شنت 109 غارات على قيادات تنظيم القاعدة بين العامين 2001 و2011. ولكن عدد الهجمات التي شنتها المجموعة والفروع التابعة لها "ارتفع باطراد" خلال تلك السنوات العشر. وبينما انخفضت القوة المميتة للهجمات التي يشنها تنظيم القاعدة، فقد ارتفعت هذه القوة عند فروع التنظيم.
حذرت جوردان في دراسة لها في العام 2014، بالقول: "في الأساس، لم يعان تنظيم القاعدة فترة من التدهور"، والدرس المستلخص من ذلك هو أنه "حتى لو تم إضعاف المنظمات بعد مقتل أو اعتقال قادتها، فإنها تميل إلى البقاء على قيد الحياة، وإعادة تجميع صفوفها ومواصلة شن الهجمات".
وإذن، وبالنظر إلى المحددات التي تنطوي عليها استراتيجية قطع الرأس، ما هي أفضل سياسة يمكن أن تنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها للتعامل مع مجموعة "الدولة الإسلامية"؟ لعل أفضل تحليل بهذا الخصوص هو الذي قرأته في مقال منشور في العدد الحالي من مجلة "الأتلانتيك" للكاتب غرايم وود، بعنوان "ماذا يريد (داعش) حقاً". ويبين الكاتب في هذا المقال أن نمو المجموعة الفيروسي، سواء في وسائل الإعلام الاجتماعية أو على الأرض في العراق وسورية، هو نتاج نداء قوي توجهه إلى المسلمين الساخطين "جماعة دينية ذات معتقدات مدروسة بعناية".
باستخدامها الإنترنت في التجنيد والقيادة والسيطرة، أصبحت مجموعة "الدولة الإسلامية" رشيقة ومرنة. وفي حين يسقط قادتها في المعركة، فإن قادة جدداً يحلون محلهم. ويبدو أن صور قطع الرؤوس والتعذيب التي تنفر عامة المسلمين، تغوي وتشكل مصدر إلهام لمجموعة صلبة من عتاة المتشددين الشباب. وبينما يقوم "تويتر" وغيره من مواقع وسائل الاعلام الاجتماعية بتعليق وحجب الحسابات التي تدعو إلى الجهاد العنيف، فإن حسابات جديدة تنبع دائماً في هذه المواقع. وقد تبجحت إرسالية أخيرة نشرتها جماعة إعلامية موالية للدولة الإسلامية، فقالت: "سوف تجركم حربكم الافتراضية على الإنترنت إلى الحروب الحقيقية على الأرض".
إن ما يتنظرنا في الأمام هو معركة ستستمر لسنوات طويلة، وليس فقط ضد قادة "الدولة الإسلامية"، وإنما ضد الآلاف من أتباعها أيضاً، من الافتراضيين والحقيقيين على حد سواء. ويقول وود إن المجموعة ملتهبة جداً حتى الاحمرار، بحيث إنها ستضع محددات نفسها بنفسها في نهاية المطاف. و"إذا ما تم احتواؤها بالشكل الصحيح، فإن من المرجح أن تكون الدولة الإسلامية هي التي ستنقض غزلها الخاص. ليس هناك بلد حليف لها، وستضمن أيديولوجيتها أن يبقى هذا واقع الحال".

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Killing top terrorists is not enough