محللون: ملامح استراتيجية أميركية جديدة في العلاقة مع الشرق الأوسط

جنود أميركيون في بغداد عقب احتلالها العام 2003 حيث شكلت حرب العراق تغييرا للمزاج الشعبي الأميركي لاحقا-(ا ف ب)
جنود أميركيون في بغداد عقب احتلالها العام 2003 حيث شكلت حرب العراق تغييرا للمزاج الشعبي الأميركي لاحقا-(ا ف ب)

تغريد الرشق

عمان- يتفق سياسيون محليون، مع ما تتوقعه مراكز التفكير الأميركية، حول أن محددات السياسة الأميركية الخارجية، التي تحدث عنها الرئيس باراك اوباما في مقابلته الأخيرة مع مجلة "اتلانتيك"، لن تتغير كثيرا، مع اي ادراة اميركية مقبلة، سواء اكانت ديمقراطية أو جمهورية.
وفي حين تتوقع مراكز التفكير، ومراقبون ان السياسة الأميركية الجديدة في منطقة الشرق الاوسط، والتي كشف عنها اوباما في المقال المطول لجيفري جولدبيرغ، تحت عنوان "عقيدة اوباما"، تتمحور حول تجنب التدخلات العسكرية في بؤر الأزمات، والتعامل مع الشرق الأوسط بطريقة مختلفة، اعتبر ساسة اردنيون ان ما عرضه أوباما كان في كثير منه "تعبيرا عن سياسته وأرائه"، بينما رأى آخرون في عرضه، حقيقة تتناسب مع مزاج الشارع الأميركي اليوم.
وفي هذا السياق، يؤمن نائب رئيس الدراسات في مؤسسة كارنيغي الاميركية سابقا، ووزير الخارجية الأسبق مروان المعشر، بوجود ثلاثة عوامل باتت تؤثر على السياسة الخارجية الأميركية، في الشرق الأوسط، يرى انها لم تكن موجوة سابقا.
ويرى المعشر في حديثه لـ"الغد"، ان اولها هي الحرب على العراق، والتي كلفّت ثلاثة تريليونات دولار و4 آلاف قتيل أميركي، وجعلت الشعب الأميركي لا يريد حروبا في المنطقة. وبالتالي، فإن "هذه الحرب خلقت مزاجا شعبيا، ومن كافة الاتجاهات، سواء ديمقراطيون إم جمهوريون أم مستقلون، ضد التدخل العسكري".
كما ان اميركا لم تنجح بتحقيق اهداف كانت تسعى لها، وهذا الكلام يتعدى شخصية الرئيس، بغض النظر عن الوعود الانتخابية، الا اننا نلحظ انه في هذا الوعود "لم يعد اي من المرشحين بتدخل عسكري في سورية"، وفقا للمعشر.
العامل الثاني، هو ان منطقة الشرق الأوسط لم تعد تحتل ذات الأهمية، التي كانت تحتلها سابقا، "الولايات المتحدة وبعد 3 سنوات ستكتفي ذاتيا من ناحية النفط، وهناك نمر اقتصادي متصاعد يتمثل بالصين، وشعور لدى اميركا ان ما يحصل في الصين اقتصاديا سيؤثر عليها اكثر بكثير من تأثير اسعار النفط" يقول المعشر.
ويشير هنا الى ان احد المرشحين الديمقراطيين، وهي هيلاري كلينتون، كانت من انصار التدخل الجوي ضد النظام السوري سابقا. ويلاحظ الدبلوماسي المخضرم، انه يمكن رؤية فروقات في المواقف بين الرئيس الأميركي الحالي والرئيس القادم، "ولكن من ناحية تكتيكية، فقط وليس من ناحية استراتيجية".
وبنظر المعشر، فإن "تدخلا بريا في سورية لن يحصل، بغض النظر عن الرئيس القادم"، وبخصوص الحرب على "داعش"، يعتبر ان التنظيم "ليس خطرا أمنيا استراتيجيا على اميركا".
وخلص المعشر الى ان "الاهتمام بالصين وضعف الاهتمام بالشرق الأوسط، سيكون من سمات السياسة الخارجية الأميركية، بغض النظر عن شخصية الرئيس القادم".
اما نائب رئيس الوزراء الأسبق ايمن الصفدي، فيعتبر ان ما عرضه أوباما في مقابلته، كان في كثير منه "تعبيرا عن سياسته وآرائه"، وانه "قارب المنطقة، بداية، من تعهده الانتخابي بإنهاء حروب أميركا في المنطقة، لكنه بعد ذلك بنى مواقفه وفق إعادة تعريف للأولويات والمصالح"، أو انه اخذ أيضا في الاعتبار موقف الرأي العام الأميركي الرافض لتورط أميركي في حروب جديدة.
"لكن حصاد حقبة أوباما على المنطقة كان كارثيا، فجهود حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي توقفت، وباتت فرص الحل أسوأ من أي وقت مضى، وخلال حكمه استطاع نتنياهو قتل إمكانية التوصل إلى حل الدولتين"، وفقا للصفدي، في حديثه لـ"الغد".
أما العراق، فعاد وغرق في مستنقع الفوضى، وسورية انهارت، وأدى العمل غير المكتمل، الذي قادته أميركا في ليبيا إلى استحالة الدولة ساحة حرب، بحسب رؤية الصفدي، الذي يعتبر ان "اوباما لا يتحمل مسؤولية كل ذلك، لكن سياسته المترددة لعبت دورا في التدهور العام الذي حصل" على حد رأيه.
ويشرح "انسحاب أميركا غير الممهد له من المنطقة ترك فراغا، ملأته قوى إقليمية ذات أجندات متصارعة، وفي أحيان أخرى غير مستعدة للتأثير بشكل جذري في مسار الأحداث. كما ركز أوباما على إيران من زاوية الملف النووي، ليبدو بذلك متخليا عن حلفاء أميركا التقليديين، فيما تستفيد إيران من تراجع الضغط الأميركي ورفع العقوبات لتقوية سياساتها التدخلية في عالم العرب".
ورغم أن واشنطن تقود التحالف الدولي على الإرهاب، فإن جهدها، كما تثبت النتائج، جاء منقوصا وخارج أي استراتيجية شاملة، تضمن القضاء على هذا الوباء، قبل أن يدفع العالم ثمنا أكبر، وفقا للصفدي.
وحول التغير المتوقع من قبل الإدارة الأميركية الجديدة، يرى الصفدي ان أي رئيس جديد لن يقدم على تغيير فوري في السياسة الأميركية، خصوصا إذا كان من الحزب الديمقراطي.
ويختلف الصفدي هنا مع المعشر، بقوله إنه رغم تراجع أولوية الشرق الأوسط استراتيجيا في الحسابات الأميركية "الا ان الولايات المتحدة ستنجر إلى المنطقة من جديد، إذا ما استمرت الأوضاع في التدهور".
ويزيد "لآراء أوباما الفلسفية دور كبير في النهاية التي انتهت إليها سياساته، لكن الظروف على الأرض في أميركا وفي المنطقة، لعبت دورا في تشكلها أيضا، لذلك سيجد الرئيس القادم نفسه محكوما بهذه الأوضاع، خصوصا عدم رغبة الشعب الأميركي في التدخل عسكريا في الشرق الأوسط، إذا لم يقتنع بأن التدخل ضرورة لحماية المصالح الأميركية".
"ومن هنا لن يكون أي تغيير بعد أوباما سريعا، وسينتظر إعادة تعريف المصالح الأميركية في المنطقة عند الشعب الأميركي، ما يعني الحاجة إلى مرحلة من التسويق السياسي المستهدف لإقناع الأميركيين بجدوى عكس سياسة أوباما".
ويختم الصفدي باشارته إلى النظرة في أميركا إلى الكثير من دول العالم العربي، وسياساتها وتوجهاتها، والتي وصفها بـ"السلبية"، معتبرا أن العمل على تغيير هذه النظرة "أساسي لتغيير سياسات أميركا، فلا شيء سيأتي بالمجان".
ويخلص إلى أنه، وببساطة، فإن أي سياسة أميركية جديدة ستبنى على مدى اقتناع الولايات المتحدة بتماهي هذه السياسة مع أهدافها ومصالحها، لذلك "ثمة مسؤولية كبيرة على العرب في تصحيح ما يرونه سياسات خاطئة لأوباما اتجاههم لناحية إقناع خليفته بوجهة نظرهمِ".
ومن زاوية مختلفة، وتحديدا بخصوص إسرائيل، لا يعتقد النائب مصطفى حمارنة، بوجود تغير جذري في السياسة الخارجية الأميركية، ويشير الى "تغلغل كبير للوبي الصهيوني على مستوى عال في الإدارة والمؤسسات الأميركية المختلفة".
ويسترجع الحمارنة بدء التحولات الجذرية في السياسة الأميركية بهذا الصدد، مشيرا إلى أنها بدأت في عهد الرئيس رونالد ريغان، وأن آخر محاولات جدية "اخذت بالاعتبار بعض المصالح العربية، كانت مع انتهاء حكم الرئيس جيمي كارتر".
واعتبر انه "تم التبني تدريجيا للسكوت عن السياسة الإسرائيلية، الى ان جاء بوش الأب، ومن بعده كلينتون، حيث ساد تحول حاسم، وأصبح الإسرائيليون عمليا يستولون على الضفة الغربية، كما ان اوباما اعلنها بصراحة، ان لا مفاوضات سلام في عهد اداراته هذه".
ويشير هنا الى ما نراه حاليا في سباق الانتحابات الرئاسية ألأميركية، وقال "لا نزال نرى استرضاء مبتذلا لاسرائيل، من خلال كلمات المرشحين في اللقاء مع الايباك".
بالنسبة للموضوع الإيراني، يرى الحمارنة أنه ما يزال هناك تعارض بين أميركا وإيران، برغم توقيع الاتفاق النووي، ويقول "الأميركان يرون بعض تصرفات إيران، غير مقبولة، مثل مسألة الصواريخ البالستية، وسورية".
وبخصوص مقابلة أوباما مع "الاتلانتك"، لا يعتقد الحمارنة ان التحليلات التي تناولتها كانت دقيقة، وان كل ما في الأمر انه لا يريد إقحام القوات الأميركية في العراق، كما حصل في عهد بوش، الا ان "الأميركان لم يتركوا الشرق الأوسط، وقواتهم في ازدياد في العراق، وقد أعلنوا عن مزيد من حجم القوات هناك، كما ان هجماتهم الجوية مستمرة في سورية".
أكاديميا، يعتقد استاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأردنية الدكتور حسن المومني، أنه من المبكر الحكم على السياسة الخارجية للإدارة الأميركية القادمة، ويقول "صحيح انها دولة مؤسسات، ومن يقرر السياسة الخارجية هي هذه المؤسسات بما فيها مؤسسة الرئاسة، الا ان هذه السياسة، تحددها مصالح اميركية وتطورات دولية على الساحة العالمية".
ويضيف أنه في مفهوم السياسة الخارجية "لا يوجد شيء ثابت، هي عملية تفاعل تبادلي بين الدول. وعملية صياغة السياسة الأميركية، معقدة وديناميكية، ولا تعتمد على شخص او عامل واحد، بل مجموعة متغيرات وعوامل ومصالح".
 ولا يشك الخبير السياسي الاستراتيجي، بأن أوباما ومنذ تسلمه السلطة في 2009، جاء ببرنامج "كان يمثل انعكاسا للرغبة الأميركية التي انتخب على أساسها، وهي إنهاء التدخلات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، والمصالحة مع العالم الإسلامي، وأيضا ضرورة معالجة البرنامج النووي، وعلاقة أقوى مع آسيا وافريقيا، وقد بقي ملتزما بهذا الأمر".

اضافة اعلان

[email protected]