محمد عبدالقادر: كنفاني حالة استثنائية ومؤسسة وطنية ثقافية

ملصق الكتاب
ملصق الكتاب

عزيزة علي

عمان- وصف الناقد والمترجم د. محمد عبدالقادر الروائي والقاص والمسرحي والمفكر الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني بـ"حالة استثنائية، ومؤسسة وطنية، ثقافية سياسية، أخلاقية، فكرية، إنسانية عز نظيرها"، مشيرا إلى أن كنفاني استقر في وجدانه على مر العقود الأربعة الماضية.اضافة اعلان
وبين عبدالقادر في لقاء أجرته معه "الغد" أنه اختار كنفاني كنموذج للمبدع – المثقف، المناضل الذي ربط مبادئه بالسلوك، والقول بالعمل، والحياة بالإنتاج، ورفض "العيش"، واختار الوجود، فهو مبدع أصيل، ورائد الرواية الفلسطينية الواقعية، وهناك من قال عنه "إن النثر الفلسطيني يبدأ بكنفاني"، وهو كذلك رائد في القصة القصيرة الفلسطينية ولا ينكر أسبقية سميرة عزام ويصفها بأنها معلمته.
وتابع عبد القادر الذي صدر له كتاب "جماليات الرمز والتخييل: أوراق نقدية في نصوص إبداعية"، كان "كنفاني رائدا في المسرح الذهني الفلسطيني، ورائدا في دراساته حول شعر المقاومة فهو من عرّفنا بمحمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم وقائمة طويلة من مبدعينا في فلسطين المحتلة، ومكتشف ناجي العلي ونشر له رسوماته، وهو المتميز في كتاباته الواسعة في العديد من الصحف اللبنانية والعربية. وهو القائد السياسي المستنير، وهو رئيس التحرير الذي يعتبر مجلته بيته، وهو المحاور والمؤثر فوصفه أحدهم بالقول "إنه يحمل عبء القضية".
ووصف عبدالقادر كنفاني بـ"منظومة إبداعية وقيمية وأخلاقية ونضالية متكاملة"، لذلك اخترت الكتابة عن عبقريته لأنه كان "ثروة فلسطينية وعربية وإنسانية عز نظيرها"، وهو معلمي الذي لم ألتق به ذات يوم، وكان الفلسطيني المثال بالنسبة إلي، وكان مَعْلماً أساسياً على طريق الاختيار. أبدع في نمط حياته وفي مستوى إبداعه، وأخيراً في طريقة استشهاده.
وقال عبدالقادر إن السياسة عند كنفاني كانت "خبزه اليومي لا يتابعها فقط، بل يساهم فيها وأحيانا يصنعها، والسياسة عنده هي فلسطين، والعروبة، والنضال الأممي، والوحدة الوطنية الفلسطينية، والوحدة الحزبية أيا كانت الخلافات، وتعني العمل ضمن إطار حزبي وليست تجربة فردية ليبرالية، رغم شعوره بالملل أحياناً من الجوانب البيروقراطية في العمل الحزبي".
وأوضح عبدالقادر مؤلف كتاب "فضاء التجاوز- قراءات في الإبداع الشعري الروائي لإبراهيم نصرالله"، الأدب عند كنفاني كان ضمن سياقين "وطني، تحرري، إنساني، وفلسطين في القلب"، وآخر، "عدالة القضية ليست جواز سفر لأي أدب ركيك"، وبالتالي فمن يريد أن يرتاد عالم الإبداع الفني عليه أن يكون فناناً ومبدعا أصيلا ولا يتكئ على عكازة فلسطينية أيا كانت "وطنية"، وكان كنفاني يشدد على المحتوى، تلك كانت المعادلة الدقيقة للتمييز بين أدب مبدع وأدب تحريضي، أدب خالد وأدب هش ما يلبث أن يندثر.
وبين أنه عندما انصهر كنفاني بالسياسة والأدب "أنتج ثقافة وطنية، وتراثا فلسطينيا مبدعا ما يزال حتى اليوم مصدر إلهام، وإقبال من الأجيال الجديدة"، وما يدل على ذلك هو إعادة طبع أعماله كاملة مرات ومرات.
وحول بعض الكتابات الفلسطينية التي يدور حولها التطبيع، دعا عبدالقادر إلى تحدد مفهوم التطبيع وأشكاله، فـ"التطبيع السياسي مع العدو الصهيوني باعتباره دعوة وممارسة لإقامة علاقات طبيعية مع كيان الاحتلال تمهيدا لاعتباره جزءا من مكونات الوطن العربي وتسويقه بصورة مباشرة أو غير مباشرة في السياسة، الإعلام، الثقافة، الأدب، الفن، الاقتصاد"، مبينا أن الشعب المصري هو أول من أسقط هذه المقولة منذ أواخر السبعينيات، بقيادة حركاته وأحزابه وجمعياته الوطنية على اختلاف أفكارها وحتى هذه اللحظة كلما برز صوت يخرق هذا الإجماع الوطني– القومي المصري كان الرد عليه واضحاً، مشيرا إلى أن تجربة توفيق عكاشة هي المثال الحي والأبرز في هذا السياق، إذ كان مصيره الضرب بالنعال والطرد من مجلس الشعب المصري، وإغلاق قناته الهابطة".
ورأى عبدالقادر أن"الشعب الأردني محال أن يصيبه أي اختراق في هذا المضمار، إذ إنه يعي تماماً أن الكيان الصهيوني عدو له مثلما هو عدو لفلسطين ولكل الأقطار العربية. وما حال شعوب الأمة العربية بمختلف عن حال الشعبين المصري والأردني، وما حالات التضامن والتآزر التي تعبر عنها جماهير الأمة العربية، وآخرها في الجزائر العظيمة، إنما هي تعبير علني صارم عن صوت الجماهير العربية في كل مكان".
واضاف "أنا لا أخشى من التطبيع طالما أن أكثر من ثلاثة عقود من التطبيع الرسمي لم تزحزح جماهير الأمة العربية عن موقفها التاريخي الصلب".
وأشار عبدالقادر الذي قام بترجمة كتاب "الولع بالزنبق" إلى بروز بعض المواقف المغلوطة والخطأ في الوعي والرؤيا والتعبير في الأدب والفن والثقافة، حيث يخرقون الخطوط الحمراء على أمل نيل جائزة غربية، أو ترجمة أجنبية لرواية أو ديوان شعر، هؤلاء لا يريدون أن يفتحوا عيونهم (إن لم نقل عقولهم) على ما يجري على أرض فلسطين من ممارسات وحشية صهيونية، ليعلموا أن هذا الكيان قد عقد العزم على رفض التعايش ودخل في مرحلة إبادة الشعب الفلسطيني، موضحا أن النص الأدبي عمل مفتوح وقابل للتأويلات وهذا يقتضي القراءة الدقيقة للنص والاعتماد على لغته وعباراته وسياقاته ذاتها في إصدار الحكم.
وأشار إلى أن بعض الأعمال يميل إلى تجاهلها بدلاً من إثارة نقاشات واسعة ومطولة حولها، حتى لا تحظى بالاهتمام وحتى لا تثير الانتباه أصلاً، فالمراجعات النقدية الدقيقة ينبغي أن تشير إلى المعنى السياسي – طبعاً لقارئ النص – الذي توصل إليه استناداً إلى لغة النص ذاته أولاً وأخيراً.
وحول دور النقد الأدبي ومتابعته لما ينشر من أعمال محلية وعربية، رأى عبدالقادر أن ما يصدر من أعمال روائية فلسطينية وأردنية وعربية بعامة كثيرة وغزيرة وجيدة في معظمها، بحيث أستطيع القول بثقة أن الإبداع الروائي العربي بالذات يتمتع بحضور واسع، ويقبل القراء على اقتناء الروايات أكثر من إقبالهم على قراءة أي أنواع أدبية أخرى، وبالذات الشعر والقصة القصيرة، ناهيك عن الدراسات الأدبية والنقدية.
واعتبر عبد القادر ان الرواية تعيش ربيعاً غير مسبوق، حتى ليتعذر على القارئ المتابع والمهتم أن يقرأ كل – أو حتى أغلب – ما يصدر من أعمال روائية، فيما يزداد عددها مع وجود عدد من الجوائز المهمة والتي يسعى الروائيون وناشروهم إلى الفوز بها، ولا ضير في ذلك إن توافرت لجان تحكيم منصفة.
ورأى عبدالقادر أن حركة النقد الأدبي لا تواكب الكثير من الأعمال الروائية، والقصصية والشعرية الصادرة، باستثناء المتابعات والمراجعات التي تنشر في الصفحات الثقافية أو الملاحق الأدبية والفنية لعدد من الصحف العربية، وغالباً ما تكون هذه المراجعات سريعة ولا تفي العمل الأدبي حقه، مبينا أن هناك تقصير واضح من قبل وزارات الثقافة، وروابط الكتاب واتحادات الأدباء ولجانها المتخصصة التي لا تهتم إلا بالقليل.
أما أساتذة الأدب والنقد في الجامعات، فيرى أن هؤلاء مشغولين بأبحاثهم المحكمة في المجلات والدوريات المتخصصة والتي بطبيعتها محدودة الانتشار والتوزيع.