مخاطر تهدر التنمية ومكتسباتها

النظر إلى التنمية وقياسها بالإنفاق العام، ووجود وانتشار الخدمات الأساسية والمؤسسات العامة، من دون النظر إلى المخاطر القائمة والمحتملة التي تهدد وتهدر الأداء العام، يجعل التنمية قاصرة، ويعطل فرص المراجعة والتصحيح وتطوير العمل والمؤسسات. فلا يكفي وجود المدارس والمراكز الصحية، على سبيل المثال، لقياس التنمية!اضافة اعلان
وفي جانب آخر، لا يمكن تقييم التنمية والأداء العام إلا بملاحظة الهدر وما يمكن توفيره من إنفاق، أو بملاحظة ما يمكن توفيره من إنفاق بسبب منظومة من التدابير والسياسات العامة التي تحمي التنمية أو تقلل الإنفاق العام.
والجانب الثالث والأكثر أهمية في قياس التنمية، هو ملاحظة الأخطار والمهددات ونقاط الضعف التي يجب الاهتمام بها لتعزيز التنمية وإدامتها وحمايتها، وللتأكد من أنها تصل إلى جميع الفئات. فهناك على الدوام فئات من المواطنين لا تستطيع الاستفادة تلقائيا من فرص التنمية؛ إما بسبب مخاطر وضعف يخصانها، أو بسبب بيئة عامة محيطة بالتنمية تجعلها غير مفيدة لجميع الناس!
وعلى سبيل المثال، فإن الاقتصاد العالمي يخسر سنويا حوالي 5 تريليونات دولار بسبب غياب السلم. ومؤكد أن حصتنا في الأردن من هذه الخسائر كبيرة جدا بالنسبة للاقتصاد وعدد السكان. ونحتاج أن نواصل النظر والتذكير والتذكر بشأن ما يمكن توفيره في هذا المجال، وخسائرنا، وما ننفقه بسبب تهديد السلم؛ سواء كان الإرهاب أو الجرائم أو حوادث السير أو غياب الثقة والسلوك غير الاجتماعي، وما ينشئ ذلك من أعباء اقتصادية واجتماعية تقلل الإنتاج وتهدر الوقت والموارد.
يجب ألا يتحول الإنفاق لمواجهة المخاطر، حتى لو كان ضروريا، إلى حالة عادية متقبلة؛ بل هو استثناء يجب أن نفكر دائما في كيف نستغني عنه أو نقلل منه. والأسوأ عندما يتحول الخوف والتهديد إلى منظومة اقتصادية اجتماعية، وسلسلة من الأعمال والمصالح المرتبطة به، تجعل الخوف ضروريا أو مفتعلا لأجل مصالح اقتصادية واجتماعية. هنا تنشأ حالة فيروسية أو سرطانية، تجعل الاقتصاد يعمل ضد نفسه، وتجعل المجتمع ينفق لأجل الإضرار بنفسه.
والحال أن المخاطر التي تهدد التنمية والموارد كثيرة جدا، بعضها مباشر وبعضها غير مباشر. ويمكن بقدر من التأمل والمراجعة والتدابير الحكيمة تخفيض هذا الهدر وإعادة تنظيم الموارد وإنفاقها، على نحو يضاعف الفائدة والنتائج. ولا تقف هذه المخاطر عند الإرهاب والجريمة والتهديد الدولي أو الداخلي أو الصراعات. ولكن يمكن الحديث أيضا عن المرض والصحة؛ فالسياسات الصحية على المستوى المؤسسي والفردي والمجتمعي، تزيد الإنتاج وتقلل الخسائر والهدر بنسبة كبيرة. وهناك تغول الواردات على الصادرات، وما يمكن عمله لتقليل الفجوة بينهما؛ والعمالة الوافدة وما تنشئه من مخاسر مباشرة بسبب التحويلات المالية الخارجية، والإضرار بالمنظومة الاقتصادية والاجتماعية؛ وغياب العدالة أو ضعف أو عجز المؤسسات القضائية والمحاكم، وما تؤدي إليه من ضياع الملكيات والحقوق والإضرار بالاستثمار والعمل والإنتاج والمبادرة؛ وغياب الإعلام المستقل الذي يعني ضعف المجتمعات والرقابة على المؤسسات العامة والأسواق.
وهناك أيضا أعباء كثيرة على الأداء الاقتصادي والتنموي يمكن التخلص منها، متصلة بالثقافة والأداء العام واتجاهات الأسواق والاستهلاك.