مخالطون لمصابي كورونا.. "امتعاض" من النصائح و "سخرية" من مخاوف الآخرين

مجد جابر

اضافة اعلان

عمان- ما بين تصاعد وانخفاض بالمنحنى الوبائي منذ انتشار فيروس كورونا في آذار (مارس) الماضي، وأثر ذلك على تفاصيل الحياة كافة، وازدياد منسوب المخاوف وحالة القلق من عدوى الإصابة؛ التزم كثيرون بالإجراءات الوقائية وأسس التباعد، في حين بقيت فئة بالمجتمع لا تدرك حتى الآن خطورة المرض وتأثيراته الكبيرة.


ومن هؤلاء الأشخاص "المخالطون" درجة أولى لمصابي كورونا، الذين يشعرون بالإقصاء و"الحساسية" والغضب أحيانا، حينما يقرر أي من المحيطين بهم، أخذ الحذر وتجنب التواجد معهم في ذات المكان لحين التأكد، كونهم مخالطين لمصابين، ما يعني امكانية العدوى وانتقالها بسهولة.


ذلك الأمر أوجد الكثير من المشاكل بين العائلات والأصدقاء وحتى زملاء العمل، لغياب الوعي، وتعامل المخالط مع من يعترض على ممارسة حياته الطبيعية، بغضب وأخذ موقف شخصي منه مع مبالغة في ردة الفعل.


ذلك تماماً ما حدث مع هبة عبدالله التي قررت تأجيل زيارة عائلتها لفترة من الوقت لأنهم مخالطون لشخص تبين إصابته بفيروس كورونا وكان يزورهم يومياً ويقضي برفقتهم ساعات طويلة. وحينما علموا بقرارها بالابتعاد لحين التأكد من عدم اصابة أحد من أفراد عائلاتها، كانت ردة فعلهم قاسية وغاضبة، وأنها تبالغ في الخوف من المرض.


هبة الأم لثلاثة أطفال، وتقطن بذات العمارة التي تسكن فيها عائلة زوجها؛ قررت أن تبتعد خوفا من أن تصاب بالعدوى إن كان أحد أفراد عائلتها مصابا، وبالتالي تنقل المرض لبيتها وعائلة زوجها. تقول "هم الآن غاضبون منها وفي كل مرة تتصل للاطمئنان عليهم يبدأوا بالسخرية منها، ووصفها بـ "الجبانة" لمبالغتها بالحرص، وكأن قيامها بإجراء احترازي، بات هو الخطأ وليس الصواب الذي عليها فعله.


هذه الفئة، منتشرة بكثرة، وتأخذ الأمور دائما بطريقة شخصية وبحساسية كبيرة. ووفق ما يقول رائد إسماعيل، "إما أن تكون مجاملا على حساب صحتك وأن لا تشعر المخالط لمصاب بكورونا أنك تخاف من التواجد بذات المكان معه، أو أن تختار الحرص على صحتك وصحة من حولك وأخذ الإجراءات الاحترازية اللازمة وصولا للحماية من فيروس خطير".


رائد يؤكد أنه تعرض لأكثر من موقف مع أشخاص مخالطين درجة أولى؛ إذ غالبا ما يبدون "امتعاضهم" من نصائحه التي يوجهها لهم بأن لا يخالطوا الآخرين لحين التأكد من عدم الإصابة بالعدوى.ويذهب طبيب المجتمع والصحة العامة والبيئة والوبائيات الدكتور عبد الرحمن المعاني، إلى أن طبيعة فيروس كورونا يمكن أن ينقل العدوى لأكثر من مخالط، فالمصاب قادر على أن ينقل العدوى من 7-10 أشخاص في ذات الوقت، الى جانب أن ذلك يعتمد على المكان الذي يتواجد فيه المصاب، إن كان في بيئة مغلقة تماماً وضمن أماكن مزدحمة.

بالتالي، فإن أي شخص مخالط ينبغي أن يعتبر نفسه مصابا بالفيروس لحين ظهور نتيجة الفحص المخبري، بعد عدة أيام من المخالطة وليس النتيجة الفورية، كون الأعراض لا تظهر على الشخص قبل 4-5 أيام من انتقال العدوى.


لذلك يرى المعاني أنه لا بد من أخذ الحيطة والحذر والتقيد بكافة الخطوات وإجراءات السلامة الاحترازية، فقد يكون الشخص مصابا ولكن دون أعراض، لذلك من الواجب الالتزام دائما بكافة إجراءات السلامة من التباعد ولبس الكمامة وتعقيم اليدين وتهوية الأماكن المغلقة بشكل دوري، وضرورة عدم المشاركة في المناسبات الاجتماعية بشكل مطلق، وأن لا يغتر الشخص بانخفاض عدد الحالات، لأن الفيروس قد ينتقل إليه في أي وقت.


الاختصاصي التربوي الدكتور عايش مدالله النوايسة، يذهب إلى أن هذا الأمر يرتبط بالثقافة المجتمعية، والاعتياد على نمط يعتمد على الاختلاط ضمن عادات تعتمد على المصافحة والتقبيل، وهذه المفاهيم الراسخة تقف حاجزا أمام تغيير عادات ثابتة وكان من الصعب تغييرها لدى البعض حتى مع الأمراض المنتشرة.

ويبين النوايسة ضرورة الاقتناع بفكرة أنه "لا ضرر ولا ضرار"، وعلى الشخص أن لا يتسبب بأذية الآخرين ولا يؤذي نفسه في المقابل، غير أن "ثقافتنا وتربيتنا عوّدتنا للأسف أن نجامل حتى لو كان ذلك على حساب نفسنا وصحتنا".


لذلك، لا بد من تغيير نمط الثقافة والطريقة التي يفكر بها الأشخاص بكيفية التعامل مع الآخرين، وذلك يستدعي الوعي بهذه النقطة تحديدا، والابتعاد عن أي مسبب قد يؤدي للمرض، وذلك يحتاج إلى جهود كبيرة من المجتمع، لأنه وبالرغم من وجود أشخاص، فعلا، واعين بخطورة المرض، ويأخذون الحيطة والحذر، بالمقابل هنالك من لا يأبهون بصحتهم ولا صحة غيرهم"، وفق النوايسة.


بالتالي، على كل شخص أن يحصن ذاته، ويقوم بالأمر الصحيح بغض النظر إن كان ذلك سيرضي الآخرين أم لا، لأنه عاجلا أم آجلا سيتبين من الذي يقوم بالأمر الصحيح ومن المخطئ، ويبين النوايسة أن من يأخذ موقفا اتجاه معارضة أحد الأشخاص التواجد معه لأنه من المخالطين من الدرجة الأولى، فهو قد يتسبب بقصد أو من غير قصد بأذية غيره ونفسه.


ويذهب اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، إلى أن جائحة كورونا أظهرت الكثير من سلوكيات الناس وأطباعهم، وكانت فرصة مهمة لإعادة وفهم ودراسة المجتمع الاردني من جديد.


ويشير جريبيع إلى أن هذا النموذج من الأشخاص موجود في المجتمع، وتكون ردة فعلهم مخالفة وفي غير مكانها على كل شيء وبذات الطريقة وليس فقط بما يخص التعاطي مع فيروس كورونا إنما مع مختلف القضايا.

وبين أن هؤلاء طبيعتهم تختلف ويميلون لـ "تشخيص" الأمور، وهذا سلوك مرفوض تماما حتى لو كان على حساب علاقة الشخص بالآخر، فلا ينبغي التهاون فيه.

ويعتبر جريبيع أن الشخص الذي يكون مريضا أو مخالطا لمصاب كورونا، ينبغي عليه أن يأخذ احتياطاته دائما، وذلك يحتاج إلى وعي كبير، ومعرفة بنمط الشخصيات، مبينا أن هذه الجائحة فرصة للتغيير من الطباع والعادات السلبية، ونشر الوعي بدرجة أكبر.